[ ص: 14 ] فصل ( في إباحة ) المعاريض ومحلها
وقد تقدم بعض هذا من الكلام في المعاريض ، وتباح المعاريض وقال ابن الجوزي : عند الحاجة وقد تقدم في الرعاية وغيرها وتكره من غير حاجة والمراد بعدم تحريم المعاريض لغير الظالم .
وقيل : يحرم وقيل : له التعريض في الكلام دون اليمين بلا حاجة .
قال الشيخ تقي الدين : ونص عليه وذكر في بطلان التحليل أنه قول أكثر العلماء . أحمد
قال مثنى : كيف الحديث الذي جاء في المعاريض في الكلام ؟ قال : المعاريض لا تكون في الشراء والبيع ، وتصلح بين الناس . فلعل ظاهره أن المعاريض فيما استثنى الشرع من الكذب ولا تجوز المعاريض في غيرها . لأبي عبد الله
وسأله محمد بن الحكم عن الرجل يحلف فيقول : هو الله لا أزيدك يوهم الذي يشري منه قال : هذا عندي يحنث إنما المعاريض في الرجل يدفع عن نفسه فأما في الشراء ، والبيع لا تكون معاريض قلت : أو يقول هذه الدراهم في المساكين إن زدتك قال هو عندي يحنث .
وقال أبو طالب إنه سأل عن الرجل يعارض في كلام الرجل يسألني عن الشيء أكره أن أخبره به ؟ قال إذا لم يكن يمين فلا بأس ، في المعاريض مندوحة عن الكذب . وهو إذا احتاج إلى الخطاب ، فأما الابتداء بذلك فهو أشد . أبا عبد الله
فهذا النص قول خامس ، وجزم في المغني وغيره بالقول الأول وقال : ظاهر كلام له تأويله وهو مذهب أحمد فلا نعلم فيه [ ص: 15 ] خلافا . الشافعي
وذكره إجماعا واحتج في المغني بأن القاضي عياض مهنا كان عند وهو أحمد والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال ليس المروذي ههنا يريد ليس المروذي في كفه فلم ينكره . أبو عبد الله
قال المروذي : جاء مهنا إلى ومعه أحاديث فقال : يا أبي عبد الله معي هذه وأريد أن أخرج قال متى تريد تخرج ؟ قال الساعة أخرج ، فحدثه بها وخرج ، فلما كان من الغد أو بعد ذلك جاء إلى أبا عبد الله فقال له أبي عبد الله : أليس قلت الساعة أخرج ؟ قال : قلت أخرج من أبو عبد الله بغداد ؟ إنما قلت لك أخرج من زقاقك قال في المغني : وقد ذكره بنحو هذا المعنى فلم ينكره انتهى كلامه . وهذان النصان لا يمين فيهما . أبو عبد الله
واحتج في المغني بالأخبار المشهورة في ذلك وبآثار وليس في شيء منها يمين كقوله : { } ولمن استحمله { لا يدخل الجنة عجوز } وقوله عليه السلام لرجل حر { إنا حاملوك على ولد الناقة } ، وغير ذلك قال : وهذا كله من التأويل والمعاريض وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال : { من يشتري العبد } وكان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة إليه انتهى كلامه . يؤيده أنه إذا جاز التعريض في الخبر بغير يمين جاز باليمين ; لأنه إن كان بالتعريض كذبا منع منه مطلقا وقد ثبت جوازه بغير يمين ، وإن كان صدقا لم يمنع من تأكيد الصدق باليمين وغيرها وغاية ما فيه إيهام السامع وليس بمانع ، ولا المنع بغير يمين والغرض أن المتكلم ليس بظالم ولم يتعلق به حق لغيره ولا يقال : لا يلزم من جواز الإيهام بغير يمين جوازه بها لأنه معها آكد وأبلغ لأنا نقول : لم نقس بل نقول : إن كان الإيهام عليه للمنع فليطرد وقد جاء بغير يمين ، وأيضا القول بأن الإيهام عليه للمنع دعوى تفتقر إلى دليل والأصل عدمه ، ولا يقال الأصل في كل يمين عقدها المؤاخذة بها لظاهر القرآن إلا ما خصه الدليل ، ولا دليل لأنا نقول لا نسلم أن عقدها مع التأويل والتعريض يشملها القرآن ثم هي يمين صادق فيها بدليل صدقه بغير يمين ، يؤيده أن حقيقة [ ص: 16 ] الكلام تختلف باليمين وعدمها فما كان صدقا بدونها كان صدقا معها ، هذا لا شك فيه ولأن الأصل بقاء حقيقة اللفظ ، وعدم تغيره باليمين فمدعي خلافه عليه الدليل . لا أقول إلا حقا
وقد روي { } هذا ثابت عن إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب إبراهيم النخعي . وروي مرفوعا وليس هو في مسند ولا الكتب الستة ورواه أحمد في كتاب المعاريض عن أبو بكر بن أبي الدنيا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام عن داود بن الزبرقان عن سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة زرارة بن أبي أوفى عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمران بن حصين } . ورواه أيضا عن إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب أبي زيد النميري حدثنا الربيع بن محبور حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري عن سعيد فذكره ، وداود ضعيفان عند المحدثين قال والعباس ابن عدي : مع ضعفهما يكتب حديثهما
وقد ذكر في المغني هذا الخبر تعليقا بصيغة الجزم محتجا به ولم يعزه إلى كتاب والله أعلم .
وفي تفسير ابن الجوزي في قوله تعالى { بل فعله كبيرهم هذا } المعاريض لا تذم خصوصا إذا احتيج إليها ثم ذكر خبر ولم يعزه قال : وقال عمران بن حصين : ما يسرني أن لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي . عمر بن الخطاب
وقال : لهم كلام يتكلمون به إذا خشوا من شيء يدرءون به عن أنفسهم قال النخعي : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف وذكر ابن سيرين ابن الجوزي كلاما كثيرا فتبين أن قول الإمام لا يجوز مع اليمين ومن غير يمين يجوز ، وعنه لا ، وعنه الفرق بين الابتداء وغيره ، وقد يقيدون به الجواز الأولى بالمصلحة لا مطلقا ، وعليه تحمل الآثار . أحمد
وأما الأصحاب فتجوز عندهم المعاريض ، وقيل : تكره وقيل : تحرم ولم أجد أحدا منهم صرح بالفرق بين اليمين وغيرها .