[ ص: 155 ] فصل ( في ) . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف وهو كل ما أمر به شرعا ، والنهي عن المنكر وهو كل ما ينهى عنه شرعا فرض عين وهل هو بالشرع أو بالعقل ؟ مبني على التحسين والتقبيح ذكره وغيره على من علمه جرما وشاهده وعرف ما ينكر ولم يخف سوطا ولا عصا ولا أذى . القاضي
زاد في الرعاية الكبرى يزيد على المنكر أو يساويه ولا فتنة في نفسه أو ماله أو حرمته أو أهله ، وأطلق وغيره سقوطه بخوف الضرب والحبس وأخذ المال ، وإنه ظاهر نقل القاضي ابن هانئ في إسقاطه بالعصا خلافا للمعتزلة ، وأسقطه وأبي بكر بن الباقلاني أيضا بأخذ المال اليسير قال أيضا وقيل له قد أوجبتم عليه شراء الماء بأكثر من ثمن مثله قال إنما أوجبنا ذلك إذا لم تجحف الزيادة بماله ، ولا يمتنع أن يقال مثله هنا . القاضي
ولا يسقط فرضه بالتوهم ، فلو قيل له لا تأمر على فلان بالمعروف فإنه يقتلك لم يسقط عنه كذلك قال ، وإذا لم يجب الإنكار لظننا زيادة المنكر خرج عن كونه حسنا لأن ما أزال وجوبه أزال حسنه .
ويفارق هذا إذا ظننا أن المنكر لا يزول وأنه يحسن الإنكار وإن لم يجب كما يقاتل الكفار والبغاة والخوارج وإن ظن إقامتهم على ذلك . انتهى كلامه فقد صرح بأن فرضه لا يسقط بالتوهم . وقوله وإذا لم يجب الإنكار لظننا زيادة المنكر ظاهره أنه لا يسقط إلا بالظن .
وكلام الإمام والأصحاب رحمهم الله إنما اعتبروا الخوف وهو ضد الأمن ، وقد قالوا يصلي صلاة الخوف إذا لم يؤمن هجوم العدو . أحمد
وقال في آخر الإرشاد من ابن عقيل أن يعلم أو يغلب على ظنه أنه لا يفضي إلى مفسدة . [ ص: 156 ] شروط الإنكار
قال رحمه الله في رواية الجماعة إذا أمرت أو نهيت فلم ينته فلا ترفعه إلى السلطان لتعدي عليه فقد نهي عن ذلك إذا آل إلى مفسدة وقال أيضا من شرطه أن يأمن على نفسه وماله خوف التلف ، وكذا قاله جمهور العلماء رضي الله عنهم . أحمد
وحكى عن بعض وجوب الإنكار مطلقا في هذه الحال وغيرها وعن القاضي عياض مرفوعا { أبي سعيد } رواهما لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله عز وجل عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عز وجل ما منعك أن تقول فيه ، فيقول يا رب خشيت الناس ، فيقول فأنا أحق أن يخشى وفي رواية لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق الله عز وجل إذا رآه أو شهده أو سمعه أحمد وزاد فبكى وابن ماجه وقال والله قد رأينا أشياء فهبنا . أبو سعيد
ولهما من حديثه { } . إن أحدكم ليسأل يوم القيامة حتى يكون فيما يسأل عنه أن يقال ما منعك أن تنكر المنكر إذا رأيته ؟ فمن لقنه الله حجته قال يا رب رجوتك وخفت الناس
وعن مرفوعا { حذيفة } رواه لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه قيل كيف يذل نفسه قال يتعرض من البلاء ما لا يطيق أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح ، وقيل إن زاد وجب الكف ، وإن تساويا سقط الإنكار .
قال ابن الجوزي فأما السب والشتم فليس بعذر في السكوت لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب ، وظاهر كلام غيره أنه عذر لأنه أذى ، ولهذا يكون تأديبا وتعزيرا ، وقد قال له أبو داود ويشتم قال يحتمل من يريد أن يأمر وينهى لا يريد أن ينتصر بعد ذلك .
قال الشيخ تقي الدين الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين إما تعطيل الأمر والنهي . [ ص: 157 ]
وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد قال تعالى : { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } .
فمن أمر ولم يصبر أو صبر ولم يأمر أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر ، وفي الصحيحين عن قال { عبادة } . بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في يسرنا وعسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم
{ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وأمر بالصبر على جورهم ونهى عن القتال في الفتنة قتال أئمة الجور } فأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتالهم والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم أو ما ظنوه هم ظلما ، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنا أن ذلك من باب ترك الفتنة وهؤلاء يقابلونك لأولئك .
ولهذا ذكر الأستاذ أبو منصور الماتريدي المصنف في الكلام وأصول الدين من الحنفية الذين وراء النهر ما قابل به المعتزلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فذكر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط في هذا الزمان ، وقد صنف كتابا مفردا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صنف القاضي أبو يعلى الخلال ( في ) ذلك انتهى كلامه قال الأصحاب : ورجا حصول المقصود ولم يقم به غيره والدارقطني
وقال [ ص: 158 ] في كتاب المعتمد ويجب إنكار المنكر وإن لم يغلب في ظنه زواله في إحدى الروايتين نقلها القاضي أبو يعلى أبو الحارث وقد سأله عن الرجل يرى منكرا ويعلم أنه لا يقبل منه ويسكت ؟ فقال إذا رأى المنكر فليغيره ما أمكنه . هو الذي ذكره أبو زكريا النووي عن العلماء قال كما قال تعالى : { ما على الرسول إلا البلاغ } .
وفيه رواية أخرى لا يجب حتى يعلم زواله نقلها عن حنبل فيمن يرى رجلا يصلي لا يتم الركوع والسجود ولا يقيم أمر صلاته فإن كان يظن أنه يقبل منه أمره ووعظه حتى يحسن صلاته . ونقل أحمد إسحاق بن هانئ : إذا صلى خلف من يقرأ بقراءة فإن كان يقبل منك فانهه . وذكر في كتاب الأمر بالمعروف وابنه حمزة أبو الحسين على روايتين ( إحداهما ) . هل من شرط إنكار المنكر غلبة الظن في إزالة المنكر
ليس من شرطه لظاهر الأدلة ( والثانية ) من شرطه وهي قول المتكلمين لبطلان الغرض ، وكذا ذكرهما فيما إذا غلب على الظن أن صاحب المنكر يزيد في المنكر . القاضي
وقال إذا غلب على ظنه أنه لا يزول فروايتان ( إحداهما ) يجب ثم ذكر رواية ابن عقيل السابقة وقال في رواية أخرى في حنبل هل يسكت ؟ فقال يغير ما أمكنه . الرجل يرى منكرا ويعلم أنه لا يقبل منه
وظاهره أنه لم يسقط وقال أيضا لا يجوز انتهى كلامه وقال في نهاية المبتدئين ، وإنما يلزم الإنكار إذا علم حصول المقصود ولم يقم به غيره ، وعنه إذا رجا حصوله وهو الذي ذكره ابن الجوزي وقيل ينكره وإن أيس من زواله أو خاف أذى أو فتنة وقال في نهاية المبتدئين [ ص: 159 ] يجوز الإنكار فيما لا يرجى زواله ، وإن خاف أذى قيل لا ، وقيل يجب ، والذي ذكره في المعتمد أنه لا يجب ويخير في رفعه إلى الإمام خلافا لمن قال يجب رفعه إلى الإمام ، ثم احتج القاضي بحديث عقبة وسيأتي . القاضي
وإذا لم يجب الإنكار فهو أفضل من تركه جزم به قال ابن عقيل خلافا لأكثرهم في قولهم ذلك قبيح ومكروه إلا في موضعين : القاضي
( أحدهما ) كلمة حق عند سلطان جائر .
( والثاني ) إظهار الإيمان عند ظهور كلمة الكفر انتهى كلامه .
وظاهر كلام أو صريحه عدم رؤية الإنكار في الموضع الأول وسيأتي قبيل فصول اللباس . أحمد
وقال أبو الحسين واختلفت الرواية هل يحسن الإنكار ويكون أفضل من تركه على روايتين ، وفيه رواية ثالثة أنه يقبح به قال بعض الفقهاء المتكلمين وجه الأولى اختارها والوجه قوله تعالى : { ابن بطة واصبر على ما أصابك } .
ووجه الثانية قوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } انتهى كلامه وذكر والده الروايتين قال في كتاب المحنة في رواية أحمد : إن عرضت على السيف لا أجيب ، وقال فيها أيضا إذا أجاب العالم تقية والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق . حنبل
وقال وظاهر نقل ( القاضي ابن هانئ ولا يتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول للنهي عنه قال واحتج المخالف بأن المضطر لو ترك أكل الميتة حتى مات أو تحمل المريض الصيام والقيام حتى ازداد مرضه أثم وعصى وإن كان في ذلك وجوب عزيمة كذا في مسألتنا والجواب أن هذه الأشياء تسقط بالضرر المتوهم لأن خوف الزيادة في المرض وخوف التلف بترك الأكل متوهم وليس كذلك الأمر بالمعروف لأنه لا يسقط فرضه بالتوهم لأنه لو قيل له لا تأمر على فلان [ ص: 160 ] بالمعروف فإنه يقتلك لم يسقط عنه لذلك ، ولأن منفعة تلك الأشياء تختصه ومنفعة الأمر بالمعروف تعم ، ولأن سبب الإتلاف هناك بمعنى من جهته وهنا من جهة غيره ) . قال أبو داود سمعت يقول نحن نرجو إن أنكر بقلبه فقد سلم ، وإن أنكر بيده فهو أفضل . أبا عبد الله
قال عباس العنبري كنت مارا مع بالبصرة قال فسمعت رجلا يقول لرجل يا ابن الزاني قال : فقال له الآخر يا ابن الزاني قال : فوقفت ومضى أبي عبد الله أبو عبد الله فالتفت إلي فقال يا أبا الفضل أي شيء قال ؟ قلت : قد سمعنا قد وجب علينا قال : امض ليس هذا من ذلك . ترجم عليه : الخلال . ما يوسع على الرجل في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا رأى قوما سفهاء
وقال عن رواية القاضي أبي داود وظاهر هذا أنه غير واجب قال وكذلك نقل أبو علي الدينوري أنه سئل على الرجل يرى منكرا أيجب عليه تغييره ؟ فقال إن غير بقلبه أرجو ، وذكر عن أبو حفص العكبري ' ما يدل على هذا قال أبي عبد الله بن بطة وهو محمول من كلامه على أن هناك من يقوم به أو على أن هناك ما يمنعه من الإنكار بيده . القاضي