[ ص: 255 ] فصل ( في آداب المشي مع الناس فيه وفي غيره ) . وآداب الصغير مع الكبير
قال رحمه الله ومن مشى مع إنسان فإن كان أكبر منه وأعلم مشى عن يمينه يقيمه مقام الإمام في الصلاة وإذا كانا سواء استحب أن يخلي له عن يساره حتى لا يضيق عليه جهة البصاق والامتخاط ومقتضى كلامه استحباب مشي الجماعة خلف الكبير ، وإن مشوا عن جانبيه فلا بأس كالإمام في الصلاة . ابن عقيل
وفي في أول كتاب الإيمان قول مسلم يحيى بن يعمر أنه هو وحميد بن عبد الرحمن مشيا عن جانبي قال في شرح ابن عمر فيه تنبيه على مشي الجماعة مع فاضلهم وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به . مسلم
وقال القاضي إذا مشيت مع من تعظمه أين تمشي منه قال لا أدري فقال عن يمينه تقيمه مقام الإمام في الصلاة وتخلي له الجانب الأيسر إذا أراد أن يستنثر أو يزيل أذى جعله في الجانب الأيسر .
وقال الشيخ رحمه الله : وإن كان دونه في المنزلة يجعله عن يمينه ويمشي عن يساره ، وقد قيل المستحب المشي عن اليمين في الجملة ليخلي اليسار للبصاق وغيره انتهى كلامه . عبد القادر
وحكى عن أنه حكى في الأدب عن الإمام الخلال رضي الله عنه أن التابع يمشي عن يمين المتبوع . أحمد
وقال أبو داود في مسائله ( باب في الأدب ) قال رأيت جاءه ابن أحمد فأراد لمصعب بن الزبير أن يخرج من المسجد فقال لابن أحمد مصعب تقدم ، فأبى وحلف ابن مصعب فتقدم أبو عبد الله بين يديه في المشي انتهى كلامه .
ويؤخذ من هذا أن الكبير إذا راعى الصغير ، وتأدب معه يحسن ذلك منه ، وأن الصغير إن شاء قبل ذلك ; لأنه امتثال ، وإن شاء رده لأنه وقوف مع الأدب . [ ص: 256 ]
وفي الصحيحين عن { عائشة أبي بكر يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال : يا صل بالناس ، فقال عمر ، أنت أحق بذلك فصلى عمر أبو بكر تلك الأيام وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر } ، وذكر الحديث ولم يتأخر ؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أرسل إلى
وفي لفظ { أبا بكر فليصل بالناس فقلت يا رسول الله : إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر قال : والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال : ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف } . مروا
وفي لفظ { فقال : مروا عمر أبا بكر فقلت لحفصة : قولي له . فقالت له . فقال : إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر } وفي الصحيحين من حديث فلو أمرت { سهل بن سعد عمرو بن عوف فجاء وأبو بكر يصلي بالناس فأشار إليه أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يده فحمد الله وأثنى عليه ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر : ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم } . أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين
وفي ذلك فوائد جليلة منها قال في شرح عن الخبر الأول ، فيه أن مسلم لا يقبلها بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع . المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة
وقال عن الخبر الثاني فيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا يتحتم الفعل وله أن يتركه ، ولا يكون هذا مخالفة للأمر بل يكون أدبا وتواضعا وتحذقا في فهم المقاصد . وفيه . ملازمة الأدب مع الكبار
وقال في تقدمة الصغير بين يدي الكبير في المشي : أخبرني الخلال عبد الملك بن عبد الحميد قال : رأيت أبا عبد الله يمشي بين يدي عمه فربما [ ص: 257 ] تقدم فيكون أمامه . أخبرنا عبد الله قال أبي : ما كان أعقل ؟ كان بشر بن المفضل بشر أسن من وكان معاذ بن معاذ بشر لا يخرج من المسجد حتى يخرج ، إكراما منه معاذ . لمعاذ
قال ابن الجوزي رحمه الله وإذا أذن له ومعه من هو أكبر منه قدم الأكبر فقد روى رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ابن عمر جبريل عليه السلام أن أكبر } وقال : { أمرني . } . قدموا الكبير
وقال : كنت أمشي مع مالك بن مغول فصرنا إلى مضيق فتقدمني ثم قال : لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك طلحة بن مصرف
ورأى الشباب قد تقدموا على المشايخ فقال ما أسوأ أدبكم لا أحدثكم سنة . فإن كان الأصغر أعلم فتقديمه أولى . إبراهيم بن سعد
ثم روي بإسناد عن الحسن بن منصور قال : كنت مع يحيى بن يحيى يوما نعود مريضا فلما حاذينا الباب تأخر وإسحاق بن راهويه إسحاق وقال ليحيى تقدم أنت قال يا أبا زكريا أنت أكبر مني قال نعم أنا أكبر منك ، وأنت أعلم فتقدم إسحاق انتهى كلام ابن الجوزي .
وهو يقتضي أن من له التقديم يتقدم عملا بالسنة وإن ذلك يحسن منه ، وإن الأعلم يقدم مطلقا ولا اعتبار معه إلى سن ولا صلاح ولا شيء ، وإن الأسن يقدم على الأدين والأورع كما هو ظاهر في المستوعب وغيره في الوليين في النكاح المتساويين في الدرجة ، وقطع في الرعاية في النكاح بتقديم الأدين والأورع على الأسن ، وهذا مثله فإن استوى اثنان في العلم والسن ، فينبغي أن يقدم من له مزية بدين أو ورع أو نسب وما أشبه ذلك ، وينبغي أن يعتبر في تقديم الأدين ثم الأعلم الطريقة الحسنة والسيرة الجميلة ، وقد يتوجه أن يقال يقدم بعد الأعلم من يقدم في إمامة الصلاة على ما هو مذكور في الفقه .
وقد روى عن الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب الزهري أن بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { قريشا ولا تقدموها وتعلموا منها [ ص: 258 ] ولا تعالموها أو تعلموها } شك قدموا مرسل ، ولقائل أن يقول المراد به الخلافة ولهذا في الصحيحين من حديث ابن أبي فديك { أبي هريرة لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم } وذكر والناس تبع للخبر الأول شواهد من طرق . وذكر البيهقي ابن الجوزي بعد ذلك ما رواه بإسناده عن أحمد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عبادة بن الصامت } وسبق هذا الخبر في فصل القيام . ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا
وروى عن ابن ماجه علي بن محمد عن عن وكيع سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح عن رضي الله عنه قال { جابر } إسناده حسن وروي أيضا معناه . كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة
وروى خبر أحمد المذكور أظنه عن جابر وعن وكيع قال : { عبد الله بن عمرو بن العاص } إسناده جيد رواه ما رئي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا ولا يطأ عقبه رجلان أبو داود وعن وابن ماجه أبي أمامة الباهلي قال { بقيع الغرقد ، وكان الناس يمشون خلفه فلما سمع صوت النعال جلس حتى قدمهم أمامه لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر } رواه مر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو أحمد . وابن ماجه
وقال الشيخ تقي الدين في الجواب عما ادعاه الرافضي من أن عثمان رضي الله عنه أدب بعض الصحابة : ولي الله قد يصدر منه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية فيكف بالتعزير وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب رضي الله عنهما بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال هذا ذلة للتابع فتنة للمتبوع . وهذا الأثر رواه عن سعيد بن منصور قال : رأى سفيان بن عيينة مع عمر أبي بن كعب جماعة فعلاه بالدرة فقال : إني أعلم ما تصنع يرحمك الله فقال : أما علمت أنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع [ ص: 259 ]
وقال حنبل بن إسحاق ثنا قبيصة ثنا ثنا أصحابنا عن حسن بن صالح قال : إذا تعلمتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك ولا باطل فتمجه القلوب وكذا رواه علي عن ابن وهب عن سفيان بن عيينة وزاد قال علي أخروا عني خفق نعالكم فإنها مفسدة لقلوب الرجال . علي
وقيل للقاضي أبي يعلى في الخلاف في المشي أمام الجنازة كالشفيع لا يجوز اعتبار هذا بالشفيع ; لأن تقدم الشفيع وتأخره على وجه واحد ليس بعضه أفضل من بعض ولا كذلك المشي ، أمام الجنازة وخلفها لأنهم اتفقوا أن أحدهما أفضل من الآخر فقال : لا نسلم هذا بل التقديم بالخطاب في الشفعاء ، وإظهار نفسه والمبالغة في ذلك أفضل من التأخير فيها ، فلا فرق بينهما قال : والجنازة متبوعة معناه مقصودة فإن الناس يمشون لأجلها وقد يكون الشيء مقصودا ثم يتأخر عن تابعه ألا ترى أن الناس إذا شفعوا للرجل تقدموا عليه ؟ وكذلك جند السلطان يتقدمونه ، وهم تبع ، وسبق كلام صاحب النظم في فصول القيام .
عن ولمسلم قال { جابر بن سمرة ابن الدحداح ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص به ونحن نتبعه نسعى خلفه } . : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ويقال أبو الدحداح أيضا يتوقص به يتوثب به قال في شرح قوله . ونحن نمشي حوله فيه جواز مسلم ، وإنه لا كراهة فيه في حقهم ولا في حقه وإذا لم يكن فيه مفسدة ، وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حق المتبوع ونحو ذلك من المفاسد . مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب
وذكر الخطابي والحاكم في الفنون أن وابن عقيل أبا بكر بن داود الظاهري وأبا العباس بن شريح اجتمعوا في موضع فتقدم والمبرد أبو بكر بن داود وقال : العلم قدمني ، وتأخر وقال : الأدب أخرني ، فنسبهما ابن شريح إلى الخطإ وقال : إذا صحت المودة سقط التكلف . المبرد