[ ص: 139 ] فصل ( في ) . مكانة حفاظ الحديث وإقبال الألوف على مجالسهم وحسد الخلفاء لهم
قال جعفر بن درستويه كنا نأخذ المجلس في مجلس وقت العصر ، اليوم لمجلس غد ، فنقعد طول الليل مخافة أن لا نلحق من الغد موضعا نسمع فيه ، فرأيت شيخا في المجلس يبول في طيلسانه ، ويدرج الطيلسان مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول ، وذكر غير واحد أنه كان في مجلس علي بن المديني يحزر بسبعين ألفا ، وأمر يزيد بن هارون المعتصم بحزر مجلس عاصم بن علي فحزروا المجلس عشرين ألفا ومائة ألف ، وأملى البخاري ببغداد فاجتمع له عشرون ألفا .
وقال أبو الفضل الزهري كان في مجلس جعفر الفريابي من أصحاب الحديث من يكتب حدود عشرة آلاف ، ما بقي منهم غيري سوى من لا يكتب ، وأملى أبو مسلم اللجي في رحبة غسان ، فكان في مجلسه سبعة مستملين يبلغ كل واحد منهم صاحبه الذي يليه ، وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر ، ثم مسحت الرحبة وحسب من حضر بمحبرة ، فبلغ ذلك نيفا وأربعين ألف محبرة سوى العطارة .
قال ابن الجوزي : قد كانت الهمم في طلب العلم كما قد ذكرنا ، ثم ما زالت تقل الرغبات حتى اضمحلت فحكى شيخنا أبو حفص عمر بن طفر المغازلي قال : كنا في حلقة نسمع الحديث فطلبنا محبرة نكتب بها السماع ، فما وجدنا قال : وقد كان الخلفاء والكبراء يغبطون المحدثين على هذه المرتبة ، ثم روى بإسناده عن ابن يوسف أنه قال : قيل محمد بن سلام الجمحي للمنصور : هل من لذات الدنيا شيء لم تنله ؟ قال : بقيت خصلة أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث فيقول المستملي : من ذكرت رحمك الله ؟ قال فغدا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر فقال : لستم بهم إنما هم الدنسة ثيابهم ، المتشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، برد الآفاق ونقلة الحديث . [ ص: 140 ]
وقال قال لي يحيى بن أكثم الرشيد : ما أنبل المراتب قلت : ما أنت فيه يا أمير المؤمنين قال : فتعرف أجل مني ؟ قلت : لا قال : لكني أعرفه رجل في حلقة يقول : حدثنا فلان عن فلان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا أمير المؤمنين : هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي عهد المسلمين ، قال نعم ويلك هذا خير مني ; لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت أبدا ، ونحن نموت ونفنى والعلماء باقون ما بقي الدهر .
وقال : ما طلبت مني نفسي شيئا إلا وقد نالته ما خلا هذا الحديث ، فإني كنت أحب أن أقعد على كرسي ويقال لي : من حدثك ؟ فأقول : حدثني فلان قيل له : يا أمير المؤمنين فلم لا تحدث ؟ قال لا يصلح الملك والخلافة مع الحديث . المأمون
وقال وليت القضاء وقضاء القضاء والوزارة وكذا وكذا ، ما سررت لشيء كسروري بقول المستملي من ذكرت رضي الله عنك . يحيى بن أكثم