ونص على أن أصحاب الحديث هم الطائفة في قوله عليه السلام { أحمد رضي الله عنه } ونص أيضا على أنهم الفرقة الناجية في الحديث الآخر ، وكذا قال : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق . يزيد بن هارون
ونص على أن لله تعالى أبدالا في الأرض قيل : من هم ؟ قال إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أعرف لله أبدالا . أحمد
وقال أيضا عنهم : إن لم يكونوا هؤلاء الناس فلا أدري من الناس ؟ ونقل نعيم بن طريف عنه أنه قال في قول النبي : صلى الله عليه وسلم { } قال هم أصحاب الحديث . لا يزال الله تعالى يغرس غرسا يشغلهم في طاعته
وروى عن البويطي قال : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا . الشافعي رضي الله عنه
وقال الإمام من أراد الحديث خدمه . أحمد :
قال : قد خدمه الحافظ البيهقي فرحل فيه وحفظه وعمل به وعلمه وحمل شدائده . وهو كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله . البيهقي
وقال : من قرأ القرآن عظمت قيمته ، ومن تفقه نبل قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن تعلم اللغة رق طبعه ، ومن تعلم الحساب جزل رأيه ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه . الشافعي
وقد مدح الحديث وأهله بالشعر جماعة منهم فتى في مجلس ، ومنهم أبي زرعة الرازي هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي ، ومنهم أبو عامر الحسن بن محمد الفسوي ، ومنهم أبو مزاحم الخاقاني ، ومنهم أبو ظاهر بن سلفة ، ومنهم . أبو الكرم خميس بن علي الواسطي
قال ابن الجوزي : وكان من كبار العلماء ذكر ذلك ابن الجوزي في مناقب أصحاب الحديث وقد وقع لي بخطه . [ ص: 212 ]
وروى بإسناده عن أحمد أبي عتبة الخولاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } قال : لا يزال الله عز وجل يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته في تفسير هذا الحديث : هم أصحاب الحديث ، وكان أحمد ينشد : الشافعي رضي الله عنه
إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا لا يحملون قلال الحبر والورقا ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق
يعون من صالح الأخبار ما اتسقا فعد عنهم ودعهم إنهم همج
قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا
وقال : قال لي المزني يا الشافعي أبا إبراهيم العلم جهل عند أهل الجهل ، كما أن الجهل جهل عند أهل العلم ، ثم أنشد لنفسه : الشافعي
ومنزلة الفقيه من السفيه كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشقاء على السفيه تنطع في مخالفة الفقيه
قال وهذا كما قال النبي : صلى الله عليه وسلم { أبو موسى المديني إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أولوا الفضل } ثم روى بإسناده ما رواه غيره ، وهو مشهور أن لما دخل الشافعي رضي الله عنه مصر أتاه جل أصحاب ، وأقبلوا عليه فابتدأ يحلف أصحاب مالك رضي الله عنه في مسائل فتنكروا له وجفوه فأنشأ يقول . مالك
وفي رواية عن الربيع بن سليمان قال لما دخل الشافعي مصر أول قدومه إليها جفاه الناس فلم يجلس إليه أحد ، فقال له بعض من قدم معه : لو قلت شيئا يجتمع إليك به الناس ، فقال إليك عني وأنشد يقول :
أأنثر درا بين سارحة النعم أأنظم منثورا لراعية الغنم
لعمري لإن ضيعت في شر بلدة فلست مضيعا بينهم غرر الكلم
فإن فرج الله اللطيف بلطفه وصادفت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم وإلا فمخزون لدي ومكتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وحكى عن ابن الأعرابي العرب أنها تقول : من أمل رجلا هابه ، ومن جهل شيئا عابه ، وسيأتي في أن من العلم " لا أدري " قوله : عليه السلام { } . وإن من القول عيا
وقال في الفنون : يقول الشاعر : ابن عقيل
أحب المكان القفر من أجل أنني أصرح فيه باسمه غير معجم
واكمداه من مخافة الأعيار ، واحصراه من أجل استماع ذي الجهالة للحق والإنكار ، والله ما زال خواص عباد الله يتطلبون لنزوحهم بمناجاتهم رءوس الجبال والبراري والقفار ، لما يرون من استزراء المنكرين بشأنهم من الأغمار ، إلى أن قال : فلا ينبغي للعاقل أن ينكر تضليع أحواله ، وتكدير عيشه .
وقال : الجهال يفرحون بسوق الوقت حتى لو اجتمع ألف أقرع يزعقون على بقرة هراس لقوي قلبه بما يعتقد أولئك ، وينفر قلبه من أدلة المحققين ، بهيمة في طباع الجهال لا تزول بمعالجة .
وقال : ويل لعالم لا يتقي الجهال بجهده ، قال : وكما يجب عليه التحرز من مضار الدنيا الواقعة من جهال أهلها بالتقية ، والواحد منهم يحلف بالمصحف لأجل حبة ، ويضرب بالسيف من لقي بعصبيته ، ويرى قناة ملقاة في الأرض فينكب عن أخذها ، والويل لمن رأوه أكب رغيفا على وجهه ، أو ترك نعله مقلوبة ظهرها إلى السماء ، أو دخل مشهدا بمداسه ، أو دخل ولم يقبل الضريح إلى أن قال :
هل يسوغ لعاقل أن يهمل هؤلاء ولا يفزع منهم كل الفزع ؟ ويتجاهل كل التجاهل في الأخذ بالاحتياط منهم فإن الذنوب مما تقبل التوبة عنها ولا إقالة للعالم من شر هؤلاء إذا زل في شيء مما يكرهون وينكرون ، وإن ظهر منه هوان ، وأبى إلا إهمالهم ، نظرا إليهم بعين الازدراء لهم ، فقد ضيع نفسه ، فإنه عندهم أهون ، وهم منه أكثر ، وعلى الإضرار به أقدر ، وهل تقع المكاره بالمسلم إلا من هؤلاء وأمثالهم ؟ فإذا احتشم الإنسان أهل العلم والحكمة توقيرا لهم وتعظيما ، أوجب الشرع والعقل احتشام هؤلاء تحدرا واتقاء فتكهم ، وهل طاحت دماء الأنبياء والأولياء إلا بأيدي هؤلاء وأمثالهم ؟
حيث رأوا من [ ص: 214 ] التحقيق ما ينكرون ، فصالوا لما قدروا عليه ، وغالوا لما لم يقدروا عليه ، فهم بين قاتل للمتقين مكاشفة حال القدرة ، أو غيلة حال العجز ، فاسمع هذا سمع قابل فإنه قول من ناصح خبير بالعالم ، ولا تهون بهم فتهون بنفسك ، ويطيح دمك مما رأيت من جهلهم ، إنهم يعني لا يرون الحيل التي وضعها العلماء على ما دلهم عليها الشرع كبيع الصحاح بفضة قراضة ليخرج من الربا أخذا لذلك من قوله عليه السلام : { } ويقول الواحد منهم هذا خداع لله تعالى ، ويعدل إلى بيع الدينار الصحيح بدينار ونصف قراضة ، ويرى أن الربا الصريح خير من التسيب الحلال بطريق الشرع إلى أن قال إن قوله عليه السلام عن اللحم الذي تصدق به على بع التمر ببيع آخر ثم اشتر بثمنه بريرة : { } طريق مستعمل ، ويتعين في كل عين تحرم في حقنا لمعنى إذا ملكها من تباح له لمعنى مبيح ونقلها ذلك إلينا بطريق شرعي ملكناها ، والعامة لا ترضى ذلك ، وتذم العالم الذي يسلك هذا المسلك . هو عليها صدقة ، ولنا هدية
وسمع كلام أناس من أصحاب الحديث وحركتهم ، فقال : يا أصحاب الحديث ما هذه الحركة عليكم بالوقار . ورأى وكيع بن الجراح قوما من أصحاب الحديث بهم بعض الخفة فقال : هكذا تكونون يا ورثة الأنبياء ؟ . الفضيل بن عياض