ويحرم النظر فيما يخشى منه الضلال والوقوع في الشك والشبهة ، ونص الإمام رحمه الله على المنع من أحمد وقال في رواية النظر في كتب أهل الكلام والبدع المضلة وقراءتها وروايتها المروذي لست بصاحب كلام فلا أرى الكلام في شيء إلا ما كان في كتاب الله أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أو عن التابعين فأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود رواه وقال في رواية الخلال لرجل إياك ومجالسة أصحاب الخصومات والكلام وقال في روايته أيضا لرجل لا ينبغي الجدال اتق الله ولا ينبغي أن تنصب نفسك وتشتهر بالكلام لو كان هذا خيرا لتقدمنا فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن جاءك مسترشد فأرشده . رواهما أحمد بن أصرم . أبو نصر السجزي
وقال في رواية : عليكم بالسنة والحديث وما ينفعكم ، وإياكم والخوض والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام وقال لي حنبل أبو عبد الله لا تجالسهم ولا تكلم أحدا منهم وقال أيضا وذكر أهل البدع فقال : لا أحب لأحد أن ، يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم ، وكل من أحب الكلام لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة لأن الكلام لا يدعو إلى خير ، عليكم بالسنن والفقه الذي تنتفعون به ودعوا الجدال وكلام أهل البدع والمراء ، أدركنا الناس وما يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام .
وقال عبد الله : سمعت أبي يقول كان إذا ثبت عنده خبر قلده وخير خصلة فيه أنه لم يكن يشتهي الكلام إنما كانت همته الفقه وقال في روايته أيضا وكتب إليه رجل يسأله عن مناظرة أهل الكلام ، والجلوس معهم قال والذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا [ ص: 200 ] من سلفنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ وإنما الأمر في التسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله لا تعدى ذلك . الشافعي رضي الله عنه
وقد قال في المسند حدثنا أحمد يحيى بن سعيد حدثنا حدثنا هشام بن حسان عن حميد بن هلال أبي الدهماء عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عمران بن حصين } إسناد جيد ورواه من سمع بالدجال فلينأ عنه ; من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فما يزال به بما معه من الشبه حتى يتبعه أبو داود من حديث . وقال حميد بن هلال الزعفراني سمعت يقول : ما ناظرت أهل الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله عز وجل من ذلك . الشافعي رضي الله عنه
وقال الربيع سمعت يقول : لأن يبتلي الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من الأهواء . الشافعي رضي الله عنه
وقال ابن عبد الحكم عنه لو علم الناس ما في الأهواء من الكلام لفروا منه كما يفرون من الأسد .
وقال أيضا ما أحد ارتدى بالكلام فأفلح ، وسأله عن مسألة من علم الكلام فقال له : أين أنت ؟ فقال : في المسجد الجامع في المزني الفسطاط ، فقال لي : أنت في تاران . وتاران موضع في بحر القلزم لا تكاد تسلم منه سفينة ثم ألقى علي مسألة في الفقه فأجبت فيها فأدخل علي شيئا أفسد جوابي ، فأجبت بغير ذلك فأدخل شيئا أفسد جوابي فجعل كلما جئت بشيء ، أفسده ، ثم قال لي : هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس يدخله مثل هذا فكيف الكلام في رب العالمين الذي الجدال فيه كفر ؟ فتركت الكلام وأقبلت على الفقه .
وقال أيضا : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في القبائل والعشائر ، وينادى عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال ابن الجوزي رحمة الله عليه إما من عنده أو حكاية عن [ ص: 201 ] لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر ، وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في الوصية ; لأنه ليس من العلم . الشافعي
وقال نوح الجامع : قلت : فيما أحدث الناس في الكلام من الأعراض والأجسام فقال : مقالات لأبي حنيفة الفلاسفة ، عليك بطريق السلف وإياك وكل محدثة .
وقال عبدوس بن مالك العطار سمعت يقول : أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم ، وترك البدع ، وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات ، والجلوس مع أصحاب الأهواء ، وترك المراء والجدال . والخصومات في الدين إلى أن قال لا تخاصم أحدا ولا تناظره ، ولا تتعلم الجدال فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه لا يكون صاحبه إن أصاب بكلامه السنة من أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أهل السنة حتى يدع الجدال .
وقال العباس بن غالب الوراق : قلت يا لأحمد بن حنبل أبا عبد الله أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري ، فيتكلم متكلم مبتدع أرد عليه قال : لا تنصب نفسك لهذا ، أخبر بالسنة ولا تخاصم ، فأعدت عليه القول . فقال : ما أراك إلا مخاصما . قال القاضي أبو الحسين : وجه قول إمامنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { إذا أراد الله بقوم شرا ألقى بينهم الجدل وحزب عنهم العمل } . وقيل للحسن البصري : تجادل ؟ فقال : لست في شك من ديني .
وقال : كلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به مالك بن أنس جبريل على محمد عليه السلام لجدله ، وقال عليه السلام : { } الخبر . عليكم بسنتي
وروى في كتاب الانتصار لأهل الحديث عن أبو المظفر السمعاني رضي الله عنه قال : { أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس من أمتي أهل البدع } ، وذكر فيه قيل للإمام أبو المظفر رحمه الله : وما البدع قال : أهل البدع الذين يتكلمون في [ ص: 202 ] أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون . مالك بن أنس
وقال الأوزاعي عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوا لك القول ، فليحذر كل مسئول ومناظر من الدخول فيما ينكره عليه غيره . وليجتهد في اتباع السنة واجتناب المحدثات كما أمر . انتهى كلام . أبي الحسين
وقال رجل أكلمك بكلمة ، قال لا ولا بنصف كلمة . لأيوب السختياني
وقال الأوزاعي إذا أراد الله عز وجل بقوم شرا فتح عليهم الجدال ، ومنعهم العمل .
وقال ليس هذا الجدل من الدين بشيء . مالك :
وقال المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن . وروى الشافعي رضي الله عنه : حدثنا أحمد عبد الله بن نمير ثنا عن حجاج بن دينار الواسطي أبي غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } } . ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {
ورواه جماعة منهم الترمذي ، وقال حسن صحيح قال ابن معين في أبي غالب : صالح الحديث ووثقه وقال الدارقطني : ابن عدي لا بأس به .
وقال ابن سعد : منكر الحديث ، وضعفه وقال النسائي ، أبو حاتم : ليس بقوي ، وقال لا يحتج به ابن حبان
، وقال موسى بن هارون الحمال أبو عمران عن : لا تجالس أحمد أصحاب الكلام وإن ذبوا عن السنة ، وقال في رسالته إلى مسدد : ولا تشاور أحدا من أهل البدع في دينك ، ولا ترافقه في سفرك .
وقال الترمذي سمعت أبا عبد الله يقول : من تعاطى الكلام لا يفلح ، ومن تعاطى الكلام لم يخل من أن يتجهم .
وقال في الفنون : قال بعض مشايخنا المحققين إذا كانت مجالس النظر التي تدعون أنكم عقدتموها لاستخراج الحقائق والاطلاع على [ ص: 203 ] عوائر الشبه وإيضاح الحجج لصحة المعتقد مشحونة بالمحاباة لأرباب المناصب تقربا ، وللعوام تخونا ، وللنظراء تعملا وتجملا ، فهذا في النظر الظاهر ، ثم إذا عولتم بالأفكار فلاح دليل يردكم عن معتقد الأسلاف والإلف والعرف ومذهب المحلة والمنشأ خونتم اللائح ، وأطفأتم مصباح الحق الواضح ، إخلادا إلى ما ألفتم ، فمتى تستجيبون إلى داعية الحق ؟ ابن عقيل
ومتى يرجى منكم الفلاح في درك البغية من متابعة الأمر ، ومخالفة الهوى والنفس ، والخلاص من الغش ؟ هذا والله هو الإياس من الخير ، والإفلاس من إصابة الحق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة عمت العقلاء في أديانهم ، مع كونهم على غاية التحقيق ، وترك المحاباة في أموالهم ، ما ذاك إلا ; لأنهم لم يشموا ريح اليقين ، وإنما هو محض الشك ، ومجرد التخمين . انتهى كلامه .
وقال : قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح ، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام . ابن شريح
وقال في كتابه شرح السنة : واعلم أنه ليس في السنة قياس ، ولا تضرب لها الأمثال ، ولا يتبع فيها الأهواء ، وهو التصديق بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ، ولا يقال : لم وكيف ؟ فالكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب ، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة والحق ، إلى أن قال وإذا سألك رجل عن مسألة في هذا الباب وهو مسترشد فكلمه وأرشده ، وإن جاءك يناظرك فاحذره ، فإن في المناظرة المراء والجدال والمغالبة والخصومة والغضب وقد نهيت عن جميع هذا ، وهو يزيل عن الطريق الحق ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه جادل أو ناظر أو خاصم وقال الحسن بن علي البربهاري المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة . انتهى كلامه . البربهاري
روى عن أحمد قال تذكروا الحديث فإن حياته المذاكرة ، وفي شرح خطبة مسلم بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ، [ ص: 204 ] ويتأكد ويتقرر ، ويذاكر مثله في الرتبة أو فوقه أو تحته ، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أيام وليتحر الإنصاف ، ويقصد الاستفادة أو الإفادة لا يترفع على صاحبه . ابن مسعود
وقد قال في خطبة الإرشاد : وأعتذر عن لوم بعض أهل زماننا بقولهم الاشتغال بغير الأصول والسكوت عنها أحرى فإن هذا قول جاهل بمحل الأصول منحرف عن الصواب وذكر كلاما كثيرا قال ابن عقيل كنا نسكت حتى دفعنا إلى الكلام فتكلمنا . أحمد
وقال ابن الجوزي : قال رجل ترى لي أن أقرأ علم الكلام ؟ فقال : الدين النصيحة أنت الآن على ما بك مسلم سليم وإن لم تنظر في الجزء وتعرف الصفرة ولا عرفت الخلا والملا والجوهر والعرض وهل يبقى العرض زمانين ؟ وهل القدرة مع الفعل أو قبله ؟ وهل الصفات زائدة على الذات ؟ وهل الاسم عين المسمى أو غيره ؟ وإني أقطع أن الصحابة رضي الله عنهم ماتوا وما عرفوا ذلك ، فإن رأيت طريقة لابن عقيل المتكلمين أجود من طريقة أبي بكر فبئس الاعتقاد ، وقد أفضى علم الكلام بأربابه إلى الشكوك في كلام طويل . انتهى كلامه . وعمر
وقال في الفنون : قول معتزلي لا مسلم إلا من اعتقد وجود الله وصفاته على ما يليق به ، فقال ابن عقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل ما قد صعبته فقنع من الناس بدون ذلك ، ويقول للأمة : " أين الله ؟ " فتشير إلى السماء فيقول : " إنها مؤمنة " فتركهم على أصل الإثبات إلى أن قال : إن مذهب ابن عقيل المعتزلة أن من خرج من معتقدهم ليس بمؤمن ، وإن هذا ينعطف على السلف الصالح بالتكفير ، وإنا نحقق أن أبا بكر وغيرهما رضي الله عنهم لم يكن إيمانهم على ما اعتقده وعمر أبو علي الجبائي ، وأبو هاشم فخجل ثم قال : القوم كانوا يعرفون ولا يتكلمون ، فقيل له : القوم كانوا ينهون عن الجدال والجدال شبه المتكلمين . [ ص: 205 ]
وقال أيضا في أثناء كلام له يتكلم عن الله عز وجل : اعرفني بما تعرفت ، ولا تطلبني من حيث كتمت واقتطعت ، أنا قطعت بعض مخلوقاتي وعن علمك حيث وقفتك : فلما سألتني عن لطيفة فيك فقلت : ما الروح : فقلت مجيبا لك من أمري ، وقصرت عن علمك وعلم من سألك عنها فقلت { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } .
قلت لرسولي في الساعة : { أيان مرساها } .
فكان جواب السائل والمسئول : { قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } تجيء بعدها تبحث عني من لم يرضك لإيقافك على بعضك وهو يصفك تبحث عن ذاته وصفاته ، أما كفاك قولي : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } .
فعرفك نفسك ونفسه عند سؤالك عنه بأنه مجيب لدعوتك ، فإياك أن تطلب ما وراء ذلك ، فإنك لا تجد إلا ما يورثك خبالا ، أتطمع أن تكشف حجابا أرخاه ؟ أو تقف على سر غطاه ؟ علم قصره خالقه عن درك بعض مخلوقاته التي فيك تريد أن تطلع به على كنه باريك ، والله إن موتك أحسن من حياتك .
ثم ذكر رحمه الله سؤال ابن عقيل فرعون عليه اللعنة لموسى عليه السلام عن الله عز وجل ، ومحاجة نمرود عليه اللعنة لإبراهيم عليه السلام ، ثم قال : فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم محيلون عند السؤال والجدال في تعريفه على أفعاله ، فكيف يجوز أن يصغى إلى قول من يقول : وقفت على [ ص: 206 ] نعوت ذاته ؟ ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول : { } ، والحق سبحانه وتعالى يقول عن الملائكة عليهم السلام : { لا أحصي ثناء عليك فضلا عن أن أحصي نعتك يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما } .
فهل يحسن بعد هذا كله أن تلتفت إلى من قال : إني وقفت على نعوته ؟ إلا أن يريد بها تتلقاه الأمة بالقبول فيعمل عليه على شرط { ليس كمثله شيء } وتمسك عما لم يرد به نقل ، أو عما ورد به نقل ضعيف .
وقال أيضا في مكان آخر من الفنون : قد رجعت إلى معتقدي في المكتب متبعا للكتاب والسنة ، وأبرأ إلى الله عز وجل من كل قول حدث بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في القرآن ولا في السنة .
وقال أيضا : كل يوم تموت منك شهوة ولا تحيا منك معرفة ، واعجبا يختلف الناس في ماهية العقل ولا يدرون ، فكيف يقدمون على الكلام في خالق العقل ،
وقال أيضا : قد تكرر من كثير من أهل العلم لا سيما أصحابنا قولهم : مذهب العجائز أسلم فظن قوم أنه كلام جهل ، ولو فطنوا لما قالوا لاستحسنوا وقع الكلمة وإنما هي كلمة صدرت عن علو رتبة في النظر ، حيث انتهوا إلى غاية هي منتهى المدققين في النظر ، فلما لم يشهدوا ما يشفي العقل من التعليلات والتأويلات بالاعتراض في أصل الوضع ، وقفوا مع الجملة التي هي مراسم الشرع ، وجنحوا عن القول بالتعليل ، فإذا سلم المسلمون ، وقفوا مع الامتثال حين عجز أهل التعليل فقد أعطوا الطاعة حقها ، ولقد علل قوم فمنعوا العقل عن الإصغاء إلى ذلك الإذعان بالعجز .
ووجدت في كتاب لولد ولد ذكر فيه خلافا في المذهب وكلام القاضي أبي يعلى في ذلك قال : والصحيح من المذهب أن علم الكلام مشروع مأمور به ، وتجوز المناظرة فيه والمحاجة لأهل البدع ، ووضع الكتب في الرد عليهم ، وإلى ذلك ذهب أئمة التحقيق القاضي أحمد ، والتميمي في جماعة المحققين [ ص: 207 ] وتمسكوا في ذلك مع استغنائه عن قول يسند إليه بقول الإمام في رواية أحمد المروذي إذا اشتغل بالصوم والصلاة ، واعتزل ، وسكت عن الكلام في أهل البدع ، فالصوم والصلاة لنفسه ، وإذا تكلم كان له ولغيره يتكلم أفضل .
وقد صنف الإمام رحمه الله ورضي عنه كتابا في الرد على الزنادقة والقدرية في متشابه القرآن وغيره ، واحتج فيه بدلائل العقول ، وهذا الكتاب رواه ابنه أحمد عبد الله وذكره في كتابه ، وما تمسك به الأولون من قول الخلال فهو منسوخ قال أحمد في رواية أحمد : قد كنا نأمر بالسكوت فلما دعينا إلى أمر ما كان بد لنا أن ندفع ذلك ، ونبين من أمره ما ينفي عنه ما قالوه . ثم استدل لذلك بقوله تعالى : { حنبل وجادلهم بالتي هي أحسن } .
وبأنه قد ثبت عن رسله الجدال ، ولأن بعض اختلافهم حق ، وبعضه باطل ولا سبيل إلى التمييز بينهم إلا بالنظر فعلمت صحته .
وقال ابن طاهر المقدسي الحافظ سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول : عرضت على السيف خمس مرات ، لا يقال لي : ارجع عن مذهبك ، لكن يقال : لي اسكت عمن خالفك ، فأقول : لا أسكت .
وقال ابن طاهر وحكى لنا أصحابنا أن السلطان حضر ألب أرسلان هراة ، وحضر معه وزيره أبو علي الحسن بن علي ، فاجتمع أئمة الفريقين من أصحاب وأصحاب الشافعي ، للشكاية من أبي حنيفة الأنصاري ومطالبته بالمناظرة ، فاستدعاه الوزير فلما حضر قال : إن هؤلاء القوم اجتمعوا لمناظرتك ، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك ، وإن يكن الحق معهم إما أن ترجع ، وإما أن تسكت عنهم ، فقام الأنصاري وقال : أنا أناظر على ما في كمي ، فقال : وما في كمك ، فقال : كتاب الله عز وجل ، وأشار إلى [ ص: 208 ] كمه اليمنى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار إلى كمه اليسرى ، وكان فيه الصحيحان ، فنظر إلى القوم كالمستفهم لهم ، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطريق .
قال ابن طاهر : سمعت الأنصاري يقول : إذا ذكرت التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير قال ابن طاهر : وجرى وأنا بين يديه كلام ، فقال : أنا أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا ، وقط ما ذكر في مجلسه حديثا إلا بإسناده ، وكان يشير إلى صحته وسقمه ، قال ابن طاهر سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ينشد على المنبر بهراة في يوم مجلسه :
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
وسمعته ينشد أيضا :إذا العود لم يثمر ولم يك أصله من الثمرات اعتده الناس في الحطب
وقال في الفنون : ما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين ، فهؤلاء يفسدون العقول بتوهمات شبهات العقول ، وهؤلاء يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان ، قال وقد خبرت طريق الفريقين غاية هؤلاء الشك ، وغاية هؤلاء الشطح ، والمتكلمون عندي خير من الصوفية ; لأن المتكلمين قد يردون الشك ، والصوفية يوهمون التشبيه والأشكال ، والثقة بالأشخاص ضلال ، ما لله طائفة أجل من قوم حدثوا عنه ، وما أحدثوا وعولوا على ما رووا لا على ما رأوا [ ص: 209 ] .
قال ابن حمدان في المفتي والمستفتي : وعلم الكلام المذموم هو أصول الدين إذا تكلم فيه بالمعقول المحض ، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح ، فإن تكلم فيه بالنقل فقط ، أو بالنقل والعقل الموافق له فهو أصول الدين ، وطريقة أهل السنة ، وكذا قال الشيخ تقي الدين : لم يذم السلف والأئمة الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك ، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي والإثبات كما قال الإمام في وصفه لأهل البدع : هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب ، متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه . فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات وزنت بالكتاب والسنة ، بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة ، وينفى الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا في المسائل ، والوسائل من غير بيان التفصيل والتقسيم ، الذي هو من الصراط المستقيم ، فهذا من مثارات الشبهة . أحمد
قال : ويجب على كل أحد الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانا عاما مجملا ، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية ، فإنه داخل في التبليغ بما بعث الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم وفي تدبر القرآن وعقله وفهمه وعلم الكتاب والحكمة وحفظ الذكر ، والدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتهى كلامه .
وقال أبو المعالي الجويني : يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به وقال نحو هذا صاحب المحصول وغيرهما والله سبحانه أعلم . الشهرستاني