قال المروذي قال أبو عبد الله : كأنك بالموت وقد فرق بيننا أنا لا أعدل بالفقر شيئا أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء ، إني لأتمنى الموت صباحا ومساء أخاف أن أفتن في الدنيا . قال إنما تحفة المؤمن قبره وقال مسروق إسحاق بن هانئ : قال أبو عبد الله : قال الحسن أهينوا الدنيا فوالله لأهنأ ما تكون حين تهان وقال أيضا الغنى من العافية وقال له رجل أوصني قال أعز أمر الله حيثما كنت يعزك الله . أحمد
وقال يحيى الجلا سمعت يقول عزيز علي أن تذيب الدنيا أكباد رجال وعت صدورهم القرآن . أحمد بن حنبل
وقال اختفى عندي إبراهيم بن هانئ ، ثلاث ليال ثم قال لي اطلب لي موضعا حتى أدور ، قلت إني لا آمن عليك يا أبا عبد الله فقال : النبي صلى الله عليه وسلم اختفى في أحمد بن حنبل الغار ثلاثة أيام ، وليس ينبغي أن تتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء وتترك في الشدة .
وطلبه فمات قبل أن يصل إليه قال المأمون صالح قال أبي وكنت أدعو الله أن لا أراه فحدثني أبي حدثنا عن معمر بن سليمان فرات بن سليمان عن ميمون عن مهران قال : ثلاثة لا تبلون نفسك بهن : لا تدخلن على سلطان وإن قلت آمره بطاعة ، ولا تدخلن على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله ، ولا تصغين سمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما تعلق قلبك منه قال صالح سمعت أبي رحمه الله يقول والله لقد أعطيت المجهود من نفسي ولوددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا علي ولا لي .
وروى عن الخلال محمد بن موسى عن أبي جعفر محمد بن زهير أن رجلا أتى فسأله عن شيء فأجابه فقال له جزاك الله عن الإسلام خيرا ، فغضب وقال له من أنا حتى يجزيني الله عن الإسلام خيرا ؟ أنت في [ ص: 22 ] غير حل من جلوسك قال رجل أحمد جزاك الله عن الإسلام خيرا وقال لعمر بن عبد العزيز إبراهيم بن عبد الله عن ما سمعت كلمة كانت أقوى لقلبي وأقر لعيني في المحنة من كلمة سمعتها من فقير أعمى في رحبة طرق قال لي يا أحمد إن تهلك في الحق مت شهيدا ، وإن عشت عشت حميدا . أحمد
وقال إسحاق بن حنبل عم يا أحمد أبا عبد الله قد أعذرت فيما بينك وبين الله تعالى وقد أجاب أصحابك واليوم بقيت في الحبس والشر ، فقال لي يا عم إذا أجاب العالم تقية والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق ؟ فأمسكت عنه وقال ابن المنادي دخل أحمد بن داود الحداد على أبي عبد الله الحبس قبل الضرب فقال له في بعض كلامه يا أبا عبد الله عليك رجال ولك صبيان وأنت معذور كأنه يسهل عليه الإجابة فقال له إن كان هذا عقلك فقد استرحت وقال أحمد بن حنبل كان أبو جعفر الرازي إسحاق بن إبراهيم يقول أنا والله رأيت يوم ضرب وقد ارتفع من بعد انخفاضه ، وانعقد من بعد انحلاله ولم يفطن لذلك لذهول عقل من حضره وما رأيت يوما كان أعظم من ذلك اليوم . أحمد
وقال الحسن بن الصباح البزار أحد الأئمة الأعلام ثنا سيدنا وشيخنا وقال قد كان ههنا أحمد بن حنبل أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وكنا نرجو أن يحفظنا الله تعالى بهما ، إنهما ماتا وبقي سري ، فإني أرجو أن يحفظنا الله بسري . وقد قال أبو الفضل الحسن بن محمد بن أعين سمعت يقول لولا أحمد بن حنبل بشر يعني الحافي وما نرجو من استغفاره لنا لكنا في عطلة .
وقال أبو زرعة قلت كيف تخلصت من سيف لأحمد بن حنبل المعتصم وسوط ؟ فقال لو وضع الصدق على جرح لبريء وقال الواثق خلف : جاءني يسمع حديث أحمد بن حنبل أبي عوانة فاجتهدت أن أرفعه فأبى وقال لا أجلس بين يديك ، أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه وقال محمد بن محمد بن عمر أبو الحسن العطار أنه رأى أخذ أحمد بن حنبل لداود بن عمر بالركاب ذكره الحافظ تقي الدين بن الأخضر [ ص: 23 ] فيمن روى عن . أحمد
وذكر أيضا أن لأنه تولى الرباطات فنسب إليها قال سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول أخذنا هذا العالم بالذل فلا ندفعه إلا بالذل . أحمد بن حنبل
وقال الرباطي قدمت على فجعل لا يرفع رأسه إلي ، فقلت يا أحمد بن حنبل أبا عبد الله إنه يكتب عني بخراسان وإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي ، فقال لي وهل بد يوم القيامة أن يقال أين أحمد وأتباعه ؟ انظر أين تكون منهم ؟ فقلت يا عبد الله بن طاهر أبا عبد الله إنما ولاني أمر الرباط لذلك دخلت قال فجعل يكرر ذلك علي .
وينبغي أن يخفض صوته عنده قال الشيخ تقي الدين من رفع صوته على غيره علم كل عاقل أنه قلة احترام له انتهى كلامه ولما رفع صوته على سعد أبي جهل قال له بعض قريش لا ترفع صوتك على أبي الحكم . وقد قال تعالى : { واغضض من صوتك } .
أي انقص منه ، ومنه قوله غضضت بصري وفلان يغض بصره من فلان { إن أنكر الأصوات } أي أقبح يقول أتانا فلان بوجه منكر أي قبيح وقال تأويله أن الجهر بالصوت ليس بمحمود وأنه داخل في باب الصوت المنكر وقال المبرد : : عرفه قبح رفع الأصوات في المخاطبة بقبح أصوات الحمير لأنها عالية قال ابن قتيبة ابن زيد لو كان رفع الصوت خيرا ما جعله الله للحمير وقال صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار فإنه ينهق بلا فائدة ذكر ذلك سفيان الثوري ابن الجوزي وغيره .
وقال في الفنون مما وجدته في آداب ابن عقيل رضي الله عنه أنه كان مستندا وذكر عنده أحمد ابن طهمان فأزال ظهره عن الاستناد وقال لا ينبغي أن يجري ذكر الصالحين ونحن مستندون قال فأخذت [ ص: 24 ] من هذا حسن الأدب فيما يفعله الناس عند إمام العصر من النهوض لسماع توقيعاته . ابن عقيل
وقد ذكر هذا الحافظ ابن الأخضر فيمن روى عن في ترجمته أحمد قال : سمعت أبي زرعة الرازي وذكر عنده أحمد بن حنبل وكان متكئا من علة فاستوى جالسا وقال : لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ وقال إبراهيم بن طهمان لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعزة النفس فيفلح لكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم وتواضع النفس أفلح وقال الشافعي أبو توبة البغدادي رأيت عند أحمد بن حنبل في الشافعي المسجد الحرام فقلت له يا أبا عبد الله هذا في ناحية المسجد يحدث فقال هذا يفوت وذاك لا يفوت . سفيان بن عيينة
وروى عن رضي الله عنهما قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من ابن عباس الأنصار : هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير قال : واعجبا لك يا أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم قال : فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك ؟ ألا أرسلت إلى فآتيك ؟ فأقول أنا أحق أن آتيك ، فاسأله عن الحديث قال فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي فيقول هذا الفتى كان أعقل مني . ابن عباس
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على أبي بن كعب : { لم يكن الذين كفروا } . [ ص: 25 ]
وأن الله أمره بذلك قال بعضهم قرأ عليه لتعليمه وقال بعضهم : ليسن التواضع في أخذ الإنسان من العلوم عن أهلها وإن كانوا دونه في النسب والدين والفضيلة والمرتبة والشهرة وغير ذلك ، ولينبه الناس على فضيلة أبي وتقديمه فيجتهدون في الأخذ عنه وإنما خص هذه السورة لاقتضاء الحال الاختصار مع أنها جامعة .
وكان علي بن الحسين زين العابدين يدخل المسجد فيشق الناس حتى يجلس في حلقة فعوتب في ذلك فقال : إن العلم يبتغى ويؤتى ويطلب من حيث كان . زيد بن أسلم
كان يقول لبنيه : إنا كنا صغار قوم وإنا اليوم كبار وإنكم ستكونون مثلنا إن بقيتم ، ولا خير في كبير لا علم عنده وقال عروة بن الزبير لقد رأيت عبد الملك بن عمير في حلقة فيها نفر من الصحابة يستمعون لحديثه وينصتون له منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى . وعن البراء بن عازب قال من لم يحمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا . الأصمعي
وقال عبد الله بن المعتز : المتواضع في طلب العلم أكثرهم علما كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء .
وقد نظم هذا أبو عامر النسوي فقال :
العلم يأتي كل ذي خفض ويأبى كل آبي كالماء ينزل في الوهاد
وليس يصعد في الروابي
وقد قيل :
لمحبرة تجالسني نهاري أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي أعز إلي من عدل الدقيق
[ ص: 26 ] ولطمة عالم في الخد مني ألذ علي من شرب الرحيق