[ ص: 279 ] ( فصل ) : قال في الفنون : يخطر بقلوب العلماء نوع يقظة ، فإذا نطقوا بها وبحكمها نفرت منها قلوب غيرهم ، ولو من العلماء ، ولا أقول العوام ، ومثل بأشياء منها قول ابن عقيل أبي بكر رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . وأن رجلا لو صحا ، فقال كلمة ظاهرها يوجب عند العوام الكفر فقال : لست أجد للرقيب ، والعتيد حشمة ولا هيبة حتى لو استفتي عليه جماعة من الفقهاء لقالوا كافر ، فظاهر هذا أنه ليس مصدقا بهما ، وهو يهون بحفظة الله تعالى على خلقه وملائكته ، فلو كان من المحققين ، فكشف عن سر واقعه لاستحيا من جهله ، أو كفره من العلماء فضلا عن العوام ، وكشف السر عن ذلك أنه قال : غلبت علي هيبة ربي وحشمة من يشهدني فسقط من عيني حشمة من يشهد علي ، وكنت أجد الحشمة لهما الغفلة عقبها صحو ، وموجب اليقظة والصحو وزوال الغفلة والسهو السمع { أو لم يكف بربك } { ونحن أقرب إليه منكم } والعقل ، فإن من شهد الحق كان كمن شهد الملك ، ومعه أصحاب أخباره فلا يبقى لأصحابه حكم في قلب من شهد الملك ، وإلا لكان وهنا في معرفته بحكم الملك وسلطانه .
فاحذر من الإقدام على مع عدم بلوغك إلى مقاماتهم ، واختلاف أحوالهم حتى أنهم في حال كشخص ، وفي حال آخر كشخص آخر ، فإن للعبد عند كشف الحق محوا عن نفسه ، والعالم يتلاشى في عينه ، ولهذا قالت المتصوفة للصغار : يسلم للمشايخ الكبار حالهم ، وكلامهم سم قاتل لهم أولا ، ثم لمن لا يفهم ما تحت كلامهم ، والقاتل قد يكون معذورا ، والمقتول شهيدا ، أما المنكر فإنه جار على الظاهر . وأما القائل فقال بحكم حال كشفت له خاصة وحجب عنها السامع ، ومن هنا " كلموا الناس على قدر عقولهم " . فمن علم أن الخلق لا يستوون في المقال ، ولا في الأحوال لا يعقد الظنون ببادرة الواقع ، فيقع ناقصا . الطعن على العلماء