ثم يقولون: هو عاقل ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق وعشق، وهو ملتذ ومبتهج، وملتذ به مبتهج به، وذلك كله شيء واحد، فيجعلون الصفة هي الموصوف، وهذه الصفة هي الأخرى.
ومعلوم أن هذا أكثر تناقضا من قول النصارى، ويقولون: لا يدخل هو وغيره تحت عموم، لئلا يكون مركبا من صفة عامة وخاصة، كتركيب النوع من الجنس والفصل، أو من الخاصة والعرض العام، مع أنهم يقولون: الموجود ينقسم إلى واجب وممكن، والواجب يتميز عن الممكن بما يختص به، ويقولون: ليس فوق العالم، لأنه لو كان كذلك لكان له جانبان، فيكون جسما مركبا من الأجزاء المفردة، أو المادة والصورة.
ثم أتباع هذه الطوائف يحدثون من الحجج العقلية على قول متبوعهم [ ص: 248 ] ما لم تكن عند متبوعهم، فيكونون - بزعمهم - قد تبين لهم من العقليات النافية ما لم يتبين لمتبوعهم.
واعتبر ذلك بما تجده من الحجج لأبي الحسين البصري وأمثاله مما لم يسبقه إليها شيوخه، وما تجده لأبي هاشم، ولأبي على الجبائي، وعبد الجبار بن أحمد مما لم يسبقهم إليها شيوخهم.
بل أبو المعالي الجويني، ونحوه ممن انتسب إلى ذكروا في كتبهم من الحجج العقليات النافية للصفات الخبرية ما لم يذكره الأشعري، ابن كلاب وأئمة أصحابهما، والأشعري كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثاله، فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية، كالوجه، واليد، والاستواء.
وليس في ذلك قولان، بل لم يتنازع الناقلون لمذهبه نفسه في أنه يثبت الصفات الخبرية التي في القرآن، وليس في كتبه المعروفة إلا إثبات هذه الصفات، وإبطال قول من نفاها وتأول النصوص. للأشعري
وقد رد في كتبه على المعتزلة - الذين ينفون صفة اليد والوجه والاستواء، ويتأولون ذلك بالاستيلاء - ما هو معروف في كتبه لمن يتبعه، ولم ينقل عنه أحد نقيض ذلك، ولا نقل أحد عنه في تأويل هذه الصفات قولين.
ولكن لأتباعه فيها قولان: فأما هو وأئمة أصحابه فمذهبهم [ ص: 249 ] إثبات هذه الصفات الخبرية، وإبطال ما ينفيها من الحجج العقلية، وإبطال تأويل نصوصها.
وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان: أحدهما تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في "الإرشاد". والثاني تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي، كما ذكره في "الرسالة النظامية" وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب.
ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات، ومنهم من يقف ويقول: ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي، لا على إثباتها ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي.
تارة يثبت الصفات العقلية، متابعة وأبو حامد وأصحابه، وتارة ينفيها أو يردها إلى العلم موافقة للمتفلسفة، وتارة يقف وهو آخر أحواله، ثم يعتصم بالسنة ويشتغل بالحديث، وعلى ذلك مات. للأشعري
وكذلك مع معرفته بالحديث، وانتصاره [ ص: 250 ] لطريقة أبو محمد بن حزم، داود وأمثاله من أصحاب الظاهر، قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبت علما هو صفة، ويزعم أن أسماء الله، كالعليم والقدير ونحوهما، لا تدل على العلم والقدرة، وينتسب إلى نفاة القياس وأمثاله من أئمة السنة، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث، ويذم الإمام أحمد وأصحابه ذما عظيما، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة والحديث في الصفات. الأشعري
ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب الأشعري وأمثاله ابن حزم في ذلك. مذهب