وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه، إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه.
ولهذا لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة فولدت بأرض الحبشة، لأن أباها كان من المهاجرين إليها - فقال لها: «يا أم خالد، هذا سنا»، والسنا بلسان قال النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة الحسن؛ لأنها كانت من أهل هذه اللغة.
ولذلك وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم، ويترجمها بالعربية، [ ص: 44 ] كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة، «أن يتعلم كتاب اليهود، ليقرأ له، ويكتب له ذلك» حيث لم يأتمن اليهود عليه. زيد بن ثابت
ما يجب النهي عنه، لاشتمال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي والإثبات، كما قال فالسلف والأئمة لم يذموا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ الجوهر، والعرض، والجسم وغير ذلك، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام في وصفه لأهل البدع، فقال: «هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مفارقة الكتاب .. الإمام أحمد
يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم..»
فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة - بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة، وينفى الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة - كان ذلك هو الحق، بخلاف ما سلكه أهل الأهواء [ ص: 45 ] من التكلم بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا في الوسائل والمسائل: من غير بيان التفصيل والتقسيم، الذي هو من الصراط المستقيم، وهذا من مثارات الشبه.
فإنه لا يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المتبوعين: أنه علق بمسمى لفظ الجوهر والجسم والتحيز والعرض ونحو ذلك شيئا من أصول الدين، لا الدلائل ولا المسائل.