فإنه قال: لما رد على من قال باتحاد العاقل بالمعقول: فيظهر [ ص: 160 ] لك من هذا أن كل ما يعقل، فإنه ذات موجود، تتقرر فيها الجلايا العقلية، تقرير شيء في شيء آخر
فصرح بأنه يتقرر في ذات العاقل الجلايا العقلية تقرير شيء في شيء آخر، وهذا خلاف قول: العاقل والمعقول والعقل شيء واحد.
والمقصود قبول ما يقوله من الحق، وهو ما أثبته من كون الرب عالما بالأعيان الثابتة، وبيان صحة حجته على ذلك.
وأما ما نفاه من علمه بالجزئيات، فحجته على نفيه ضعيفة.
وقد بين أبو حامد وأبو البركات وغيرهما، أنه يلزمهم القول بعلمه بالجزئيات، وبينوا فساد ما نفوا به ذلك.
قال إشارة: الأشياء الجزئية قد تعقل كما تعقل الكليات، من حيث تجب بأسبابها، منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه يتخصص به، كالكسوف الجزئي، فإنه قد يعقل وقوعه بسبب توافق أسبابه الجزئية وإحاطة العقل بها، ويعقلها كما يعقل الجزئيات، وذلك غير الإدراك الجزئي الزماني لها، الذي يحكم أنه [ ص: 161 ] وقع الآن، وهو قبله، أو يقع بعده، بل مثل أن نعقل أن كسوفا جزئيا يعرض عند حصول القمر، وهو جزئي ما، وقت كذا، وهو جزئي ما في مقابلة كذا. ثم ربما وقع ذلك الكسوف، ولم يكن عند العاقل الأول إحاطة بأنه وقع، أو لم يقع. ابن سينا:
وإن كان معقولا له على النحو الأول؛ لأن هذا إدراك آخر جزئي، يحدث مع حدوث المدرك، ويزول مع زواله.
وذلك الأول يكون ثابتا الدهر كله، وإن كان علما بجزئي، وهو أن العاقل يعقل أن بين كون القمر في موضع كذا، وبين كونه في موضع كذا، يكون كسوف معين في وقت من زمان أول الحالين محدود. عقله ذلك أمر ثابت قبل الكسوف ومعه وبعده. هذا لفظه.
قلت: وهذا الذي ذكره إنما يتأتى في الأمور الدائمة عنده، كالشمس والقمر والكواكب والأفلاك، فإنه يعلمها بأعيانه، فإنها دائمة.