لوجوه: وإن قدر أن الممكن أعم من المحدث، فنقول: إذا كان ذلك ممتنعا فالقول بحدوث حادث بلا محدث ممتنع أيضا. بل هو أعظم امتناعا
(الأول)
أنه يتضمن رجحان الممكن بلا مرجح، لأن كل محدث فهو يمكن وجوده وعدمه، إذ لولا إمكان وجوده لما وجد، ولولا إمكان عدمه لما كان معدوما قبل حدوثه، فوجوده يقتضي ترجيح وجوده على عدمه، وذلك يفتقر إلى مرجح.
الثاني
أن ذلك يتضمن تخصيص حدوثه بوقت دون وقت، وصفة دون صفة، وتخصيص أحد المثلين بما يختص به عن الآخر لا بد له من مخصص.
الثالث
أن نفس العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين وأقوى وأظهر في العقل من كون الممكن لا يترجح إلا بمرجح. ولهذا يتصور هذا من العقلاء ويعلمون بطلانه بالضرورة، من لا يتصور الممكن ويعلم افتقاره إلى [ ص: 294 ] المرجح، إلا بنوع من التكلف الذي لا يتصور به ذلك.
وقد تبين أن الناس في هذا المقام على درجات، وكل من كان إلى الفطرة العقلية والشريعة النبوية أقرب، كانت طريقته أقوم، فالمستدل بأن الموجود على سبيل الجواز، وهو الموجود الممكن، لا يكون بالوجود أولى منه بالعدم إلا بالفاعل، وأن ما حدث مع جواز أن لا يحدث لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، كما سلك ذلك كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية، ومن وافقهم من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم - خير من المستدل بأن الموجود الممكن مطلقا لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، وهذا المستدل بأن الممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح خير من المستدل بأنه لا يترجح وجوده على عدمه، ولا عدمه على وجوده إلا بمرجح، كما سلك وأتباعه، ابن سينا كالسهروردي والرازي وغيرهم مع تناقض هؤلاء، حيث قالوا في موضع آخر: إن العدم المستمر لا يحتاج إلى سبب، كما قاله نظار المسلمين من جميع الطوائف. والآمدي
ثم الذين استدلوا بذلك، ولم يحتاجوا إلى قطع التسلسل، كما فعل الجمهور، أقرب من الذين احتاجوا إلى قطع التسلسل، كما فعل ونحوه. ابن سينا