فصل:
تابع كلام في مسألة علم الله تعالى ابن سينا
قال في تمام ابن سينا ونحن قد بينا في كتب أخرى أن كل صورة لمحسوس، وكل صورة خيالية، فإنما ندركها بآلة متجزئة. مسألة العلم:
فيقال له: هذا إن كان حقا، فهو منتقض على أصلك بعلمه بالأفلاك والكواكب، فإنها محسوسة، وعندك أنه يعلمها بأعيانها.
وقد قال في بيان أن كل صورة لمحسوس وكل صورة خيالية، فإنما ندركها بآلة متجزئة، وأن مدرك الجزئيات لا يكون عقلا بل قوة جسمانية: أما المدرك من الصور الجزئية، كما تدركه الحواس الظاهرة على هيئة غير تامة التجريد والتعرية [ ص: 99 ] عن المادة ولا نجرده أصلا عن علائق المادة.
فالأمر فيه واضح سهل. وذلك لأن هذه الصور إنما تدرك ما دامت المواد موجودة حاضرة، والجسم الحاضر الموجود إنما يكون موجودا حاضرا عند جسم. وليس يكون حاضرا عند ما ليس بجسم، فإنه لا نسبة له إلى قوة تفرده من جهة الحضور والغيبة،، فإن الشيء الذي ليس في مكان لا يكون للشيء المكاني إليه نسبة في الحضور عنده، والغيبة عنه، بل الحضور لا يقع إلا مع وضع وقرب أو بعد للحاضر عند المحضور، وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما، إلا أن يكون المحضور جسما أو في المحضور، وهذا لا يمكن إذا كان الحاضر جسما، إلا أن يكون المحضور جسما أو في جسم.
قال: وأما المدرك للصور الجزئية على تجريد تام من المادة، وعدم تجريد البتة من العلائق كالخيال، فهو لا يتخيل إلا أن ترتسم الصورة الخيالية فيه في جسم ارتساما مشتركا بينه وبين الجسم.
قال: ولتفرض الصورة المرتسمة في الخيال: صورة [ ص: 100 ] زيد على شكله وتخطيطه، ووضع أعضائه بعضها عند بعض، فنقول: إن تلك الأجزاء والجهات من أعضائه يجب أن ترتسم في جسم، وتختلف جهات تلك الصورة في جهات ذلك الجسم وأجزاؤها في أجزائه.
قال: ولننقل صورة زيد إلى صورة مربع. ثم فرض مربعين متساويين من كل جهة، وقرر أنه لا يمتاز أحدهما عن الآخر إلا بمحله.