وكان هذا من تلك البدع الكلامية كبدع الذين جعلوا أصل الدين مبنيا على كلامهم في الأجسام والأعراض، ولهذا كثر ذم السلف والأئمة لهؤلاء، إما لأنه لم يخطر بباله، أو لم يعرف قائلا به، أو لأنه خطر له فدفعه بشبهة من الشبهات، وكثيرا ما يكون الحق مقسوما بين المتنازعين في هذا الباب، فيكون في قول هذا حق وباطل، وفي قول هذا حق وباطل، والحق بعضه مع هذا وبعضه مع هذا وهو مع ثالث غيرها، والعصمة إنما هي ثابتة لمجموع الأمة، ليست ثابتة لطائفة بعينها. [ ص: 310 ] وإذا رأيت الرجل قد صنف كتابا في أصول الدين ورد فيه من أقوال أهل الباطل ما شاء الله، ونصر فيه من أقوال أهل الحق ما شاء الله، ومن عادته أنه يستوعب الأقوال في المسألة فيبطلها إلا واحدا، ورأيته في مسألة كلام الرب تعالى وأفعاله أو نحو ذلك ترك من الأقوال ما هو معروف عن السلف والأئمة - تبين أن هذا القول لم يكن يعرفه ليقبله أو يرده،
فإذا رأيت من صنف في الكلام - كصاحب " الإرشاد " و " المعتمد " ومن اتبعهما ممن لم يذكروا في ذلك إلا أربعة أقوال وما يتعلق بها - علم أنه لم يبلغهم القول الخامس ولا السادس، فضلا عن السابع، فالذين يسلكون طريقة كصاحب " الإرشاد " ونحوه يذكرون قول ابن كلاب المعتزلة وقول الكرامية ويبطلونهما، ثم لا يذكرون مع ذلك إلا ما يقولون فيه.