فذكر أرسطوطاليس في كتاب «ما بعد الطبيعة» وهو العلم الإلهي، الذي هو أصل حكمتهم، ونهاية فلسفتهم، فيما حكاه عنه فإنه قال في كتاب «تلخيص ما أتى به ثابت بن قرة، أرسطوطاليس فيما بعد الطبيعة»: (إن أرسطوطاليس يأتي في كتابه هذا بأقاويل فيها إغماض، يرمي فيها إلى غرض واحد، إذا وفى حقه من الشرح والبيان، قبل على هذه الجهة، مما جرى الأمر فيه على صناعة البرهان، سوى ما جرى من ذلك مجرى الإقناع).
وقال: (إنما عنون أرسطو كتابه هذا بما بعد الطبيعة؛ لأن قصده فيه: البحث عن جوهر غير متحرك، وغير قابل للشوق، إلى شيء خرج عن ذاته.
وكل متحرك إلى ما لاءمه، ووافق [ ص: 273 ] طبيعته، فبالشوق والمحبة والتوق منه إليه يتحرك، والشيء المتشوق إليه، علة لحركة المتحرك إليه بالشوق، والشيء المشتاق معلول له من جهة تلك العلة، وفي تلك الحركة، وحركة كل واحد من الأجسام، فتنساق كلها، وترتفع إلى محرك أول لا يتحرك كما بين أرسطو ذلك في كتابه المعروف بـ«السماع الطبيعي». وقال: إن الجوهر الجسماني كله الوجود مبتدأ لمتكون، إنما قوامه بطبيعته الخاصة به، وطبيعته الخاصة به إنما قوامها بصورته الخاصة به، وصورته الخاصة به المقومة لذاته إنما قوامها بحركته الخاصة به، وكل متحرك بحركة خاصة به، فإنما يتحرك إلى تمام، وتمام كل واحد من الأشياء ملائم لطبيعته، وموافق لها.
لأنه وإن وجد بعضها يحرك بعضا، فالمتحرك الأقصى متحرك عن محرك غير متحرك، والمحرك الأول علة الصورة المقومة لجوهر كل واحد من الأشياء المتحركة حركة خاصية، فقوام جوهر كل واحد من الأشياء المتحركة، ليس له في ذاته، لكنه من الشيء الذي هو السبب الأول في حركته.
فيقال لهم: هب أن الحركة الإرادية لا تتصور إلا بمحبوب منفصل عنها، لكن إذا كان المتحرك ليس واجبا بنفسه، لا هو ولا حركته، فما الموجب له ولحركته؟ وأنتم لم تجعلوا المحرك الأول محركا إلا من جهة كونه محبوبا معشوقا، لا من جهة أنه فعل شيئا أصلا.
قال ثابت: وكذلك ما يقول أرسطوطاليس: إن كل ما يتحرك فحركته بالشوق إلى شيء، والصورة الأولى فيما هو في الكون، وفيما هو موجود الحركة الخاصة به، فالمحرك الأول إذن هو المبدأ والعلة في وجود صور الجواهر الجسمانية كلها وبقائها؛ إذ كنا متى توهمنا ارتفاع وجود الحركة الطبيعية، وإن شئت أن تقول: القوي من كل واحد من الأجسام التي له، فسد جوهره لا محالة.