وكثير من النزاع في ذلك قد يكون لفظيا. وقد رأيت من ذلك عجائب كطائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي سلكوا الطريقة الأولى، ونسبوا من خالفهم في ذلك إلى الجهل والغباوة، حتى أن بعض متأخري أصحاب وأحمد وهو أحمد، أبو الفرج صدقة بن الحسين البغدادي صنف مصنفا سماه "محجة الساري في معرفة الباري" سلك فيه مسلك وأمثاله من المتكلمين المنتسبين إلى السنة، مشوب من كلام ابن عقيل المعتزلة مع مخالفتهم لهم في شعار مذهبهم، فذكر أنه سئل عن المعرفة بأي طريق تحصل؟ ومن أي طريق تجب؟ وأن يبين اختلاف الناس في ذلك. وذكر أن وأنهم اتفقوا على وجوب المعرفة، واختلفوا في طريقه. الناس تنازعوا في أول واجب على الإنسان بعد سن البلوغ والعقل، هل هو النظر أو المعرفة؟
قال: (فذهب أهل الحق والسنة والجماعة إلى أن طريق الوجوب هو السمع والنقل وقالت المعتزلة: طريق الوجوب هو العقل) . [ ص: 26 ]
ثم قال: (وهنا مزلة أقدام لبعض أصحابنا الحنابلة. لأنهم إذا سئلوا مطلقا عن معرفة الله، وقيل لهم: بم يعرف الله؟ قالوا: بالشرع، من غير فصل بين الوجوب والحصول) .
قال: (وقد نبهتهم على هذا غير مرة، فما هبوا من رقدتهم، ولا انتبهوا من سنتهم) .