قال أبو المعالي: "فأما الرد على الفلاسفة فمن أوجه: أحدها: الاتفاق على أن السواد يشارك البياض في بعض صفات الإثبات: من الوجود، والعرضية، واللونية. ثم هما مختلفان. وكذلك الجوهر والعرض، والقديم والحادث، لا يمتنع اشتراكهما في صفة واحدة، مع اختلافهما في سائر الصفات. ويقال لهم: أتثبتون الصانع المدبر، أم لا [ ص: 189 ] تثبتونه؟ فإن أثبتوه لزمهم من الحكم بإثباته ما حاذروه، فإن الحادث ثابت، فاستويا في الثبوت، ولا واسطة بين الإثبات والنفي فإن قالوا: ليس بمنفي قيل لهم: نفي النفي إثبات، كما أن نفي الإثبات نفي، وإذا لزم الثبوت من نفي النفي، حصلت المماثلة. فإن قالوا: نحن لا نطلق الإثبات على صفاته، ولا ننطق به. قلنا: قد نطقتم في صفات الرب بالإثبات، أو بصيغة تتضمنه، والمقصود من العبارات معناها، ثم نقول: أتعتقدون ثبوت الإله سبحانه؟ فإن قالوا: لا نعتقده قطع الكلام عنهم فيما هو فرع له، على أنهم راغموا البديهة لعلمنا بأن نفي النفي إثبات، وإن قالوا: نعتقد الثبوت ولا ننطق به. قلنا: كلامنا في الحقائق لا في الإطلاقات، فإن قالوا: فصفوا الإله بالثبوت والوجود ولا تنطقوا به، واعتقدوا وجود الحادث ولا تنطقوا به، لتنتفي المماثلة لفظا، فإن المماثلة لفظا مما يتوقى في العقائد. قلنا: يتوقى اللفظ لأدائه إلى الحدوث أو إلى النقص، فكل ما لا يؤدي إلى الحدوث وإلى النقص لا نكترث به، ثم [ ص: 190 ] قال: "ومما يتمسك به أن نقول: هلا قلتم: الاشتراك في صفة النفي يوجب الاشتباه؟ وما الفرق بين صفة الإثبات والنفي في هذا الباب؟ ثم نقول: الرب سبحانه معقول ومذكور كالحادث، محاذرة التعطيل أولى من محاذرة التشبيه ولا مخالفة إلا بين اثنين. وهو سبحانه مخالف للحادث،