وأتباعه وابن سينا -كالرازي والآمدي المقتول وأتباعهم- سلكوا في إثبات واجب الوجود طريقة الاستدلال بالوجود وعظموها، وظن من ظن منهم أنها أشرف الطرق، وأنه لا طريق إلا وهو يفتقر إليها، حتى ظنوا أن طريقة الحدوث مفتقرة إليها. والسهروردي
وكل ذلك غلط، بل هي طريقة توجب إثبات واجب الوجود بلا ريب لو كانوا يفسرون الممكن بالممكن، الذي هو ممكن عند العقلاء، سلفهم وغير سلفهم، وهو الذي يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى.
فأما إذا فسر الممكن بالممكن الذي ينقسم إلى قديم واجب بغيره وإلى محدث مسبوق بالعدم -كما هو قول وأتباعه- فلا يصح لهم على هذا الأصل الفاسد لا إثبات واجب بنفسه، ولا إثبات ممكن يدل على الواجب بنفسه. ابن سينا
وهذه الطريقة هي في الحقيقة مأخوذة من طريقة الحدوث، [ ص: 268 ] وطريقة الحدوث أكمل وأبين، فإن الممكن الذي يعلم أنه ممكن هو ما علم أنه وجد بعد عدمه، أو عدم بعد وجوده.
هذا الذي اتفق العقلاء على أنه ممكن، وهو الذي يستحق أن يسمى ممكنا بلا ريب، وهذا محدث، فإذا كل ممكن محدث.
وأما تقدير ممكن لم يزل واجبا بغيره، فأكثر العقلاء دفعوا ذلك، حتى القائلون بقدم العالم كأرسطو وأتباعه المتقدمين، وحتى هؤلاء الذين قالوا ذلك وأتباعه- لا يجعلون هذا من الممكن، بل الممكن عندهم ما أمكن وجوده وعدمه، فكان موجودا تارة ومعدوما أخرى. -ابن سينا
وإنما جعل هذا من الممكن وأتباعه -مع تناقضه وتصريحه بخلاف ذلك- لما سلكوا في إثبات واجب الوجود الاستدلال بالموجود على الواجب، فقالوا: كل ما سواه يكون ممكنا بنفسه واجبا بغيره، وجعلوا العالم قديما أزليا مع كونه ممكنا بنفسه. ابن سينا
وهذا خلاف قول سلفهم، وقول أئمة الطوائف سواهم، وخلاف ما صرحوا أيضا به، وهذا مما أنكره وغيره على ابن رشد وبسط الكلام فيه له موضع آخر. [ ص: 269 ] ابن سينا،
والمقصود هنا أن هؤلاء الذين يدعون أن هذا اضطرابهم في أشرف المعلومات الموجودات، بل فيما لا تنجو النفوس إلا بمعرفته وعبادته، ولكن لما سلموا للفلاسفة أصولهم الفاسدة تورطوا معهم في محاراتهم، وصاروا يجرونهم كما يجر الملاحدة الباطنية الناس صنفا صنفا. كمال النفس هو الإحاطة بالمعقولات والعلم بالمجهولات،
في أسماء الله وآياته وتحريف الكلم عن مواضعه. والفلسفة هي باطن الباطنية، ولهذا صار في هؤلاء نوع من الإلحاد، فقل أن يسلم من دخل مع هؤلاء في نوع من الإلحاد،