[ ص: 120 ] فصل
فإن قالوا: نحن إذ قلنا: الوجود: إما واجب، ذاته لا تقبل العدم، وإما ممكن يقبل العدم، وما كان قابلا للعدم فلا بد له من واجب، لزم ثبوت الواجب على التقديرين، مع قطع النظر عن الممكن: هل يكون قديما أم لا؟
بل نفس تصور هذه الحقيقة، وهو كونه يقبل العدم، فيلزم افتقاره إلى فاعل.
قيل: هذا صحيح. لكن هذا التقسيم لا يستلزم ثبوت القسمين في الخارج، إن لم يبين ثبوت الممكن، ولكن يلزم ثبوت موجود لا يقبل العدم على التقديرين. وهذا لا يناقض قول القائل بأن الموجود واحد لا يقبل العدم، وإنما يبطل قول هؤلاء إذا بين أن في الوجود ما هو ممكن يقبل العدم.
وليس في مجرد التقسيم ثبوت القسمين، وإنما يثبت القسمان إذا ثبت أن في الوجود ممكنا يقبل العدم، وهذا الممكن لا بد له من واجب. وحينئذ فيكون استدلالا بوجود الممكن المعلوم إمكانه على القديم، وهذا استدلال بالمحدثات على القديم، لا استدلال بالوجود من حيث هو وجود الواجب، كما ظن وأتباعه بأن الوجود من حيث هو [ ص: 121 ] وجود، إذا دل على وجود واجب، لم يناقض ذلك أن يكون الوجود كله واجبا ابن سينا
فإذا قال: أنا أبين بعد ذلك أن فيه محدثا.
قيل: إذا بين ذلك ثبت أن فيه قديما، ويكون الدليل على ثبوت القديم هو الحوادث. وهذه طريقة صحيحة، وهي تدل على إثبات قديم، لا على ثبوت واجب له مفعول قديم، لكن نفس الوجود يدل على ثبوت موجود قديم واجب الوجود على كل تقدير.
ثم يقال: وليس الوجود كله واجبا قديما، فإنا نشهد حدوث المحدثات، والمحدث ليس بقديم، وليس بواجب الوجود يمتنع عدمه، ولا بممتع الوجود يجب عدمه، فإنه كان موجودا تارة، ومعدوما أخرى. فعلم أنه يمكن وجوده وعدمه. وما كان هكذا فلا بد له من فاعل قديم أزلي يمتنع عدمه، فثبت وجود الموجود القديم الأزلي من نفس الوجود ومن وجود المحدثات، وثبت من وجود المحدثات أنه ليس كل موجود قديما ولا واجبا، بل ثبت انقسام الوجود إلى قديم واجب وإلى محدث ممكن بهذه الطريق، وهي طريق الحدوث، وطريق الإمكان الذي لا يناقض الحدوث بل يلازمه، فأما الإمكان الذي ابتدعوه، فلا يثبت هو بنفسه، ولا يثبت به شيء.