قال وأيضا فإن الزمان من الأعراض، ويعسر تصور حدوثه، وذلك ابن رشد: وأيضا فالمكان الذي يكون فيه العالم، إذا كان كل متكون، فالمكان سابق له، يعسر تصور حدوثه؛ لأنه إن كان خلاء -على رأي من يرى أن الخلاء هو المكان- احتاج أن يتقدم حدوثه، إن فرض حادثا خلاء آخر. وإن كان المكان نهاية الجسم المحيط بالمتمكن -على الرأي الثاني- لزم أن يكون ذلك الجسم في مكان، فيحتاج ذلك الجسم إلى الجسم، ويمر الأمر إلى غير نهاية. أن كل حادث فيجب أن يتقدمه العدم بالزمان، فإن تقدم عدم الشيء على الشيء لا يتصور إلا من قبل الزمان.
وهذه كلها شكوك عويصة. وأدلتهم التي يرومون بها بيان إبطال [ ص: 85 ] قدم الأعراض إنما هي لازمة لمن يقول بقدم ما يحسن منها حادثا. أعني من يضع أن جميع الأعراض غير حادثة. وذلك أنهم يقولون: إن الأعراض التي يظهر للحس أنها حادثة، إن لم تكن حادثة، فإما أن تكون منتقلة من محل إلى محل، وإما أن تكون كامنة في المحل الذي ظهرت فيه من قبل أن تظهر. ثم يبطلون هذين القسمين فيظنون أنهم قد بينوا أن جميع الأعراض حادثة، وإنما بان من قولهم أن ما يظهر من الأعراض حادثا فهو حادث، وما لا يظهر حدوثه ولا ما يشك في أمره، مثل الأعراض الموجودة في الأجرام السماوية من حركاتها وأشكالها وغير ذلك، فتؤول أدلتهم على حدوث جميع الأعراض إلى قياس الشاهد على الغائب، وهو دليل خطابي، إلا حيث النقلة معقولة بنفسها، وذلك عند التيقن باستواء طبيعة الشاهد والغائب.