فنحن في هذا المقام إنما نخاطب من يتكلم في ممن يدعي حقيقة الإسلام من أهل الكلام، الذين يلبسون على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأما من أفصح بحقيقة قوله: وقال: إن كلام الله ورسوله لا يستفاد منه علم بغيب، ولا تصديق بحقيقة ما أخبر به، ولا معرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته وجنته وناره وغير ذلك ـ فهذا لكلامه مقام آخر. تعارض الأدلة السمعية والعقلية
فإن الناس في هذا الباب أنواع:
منهم من يقر بما جاء به السمع في المعاد دون الأفعال والصفات.
ومنهم من يقر بذلك في بعض أمور المعاد دون بعض.
ومنهم من يقر بذلك في بعض الصفات والمعاد مطلقا دون الأفعال وبعض الصفات.
ومنهم من لا يقر بحقيقة شيء من ذلك لا في الصفات ولا في المعاد.
ومنهم من لا يقر بذلك أيضا في الأمر والنهي، بل يسلك طريق التأويل في الخبر والأمر جميعا لمعارضة العقل عنده، كما فعلت القرامطة الباطنية.
وهؤلاء أعظم الناس كفرا وإلحادا. [ ص: 177 ]
والمقصود هنا أن من أقر بصحة السمع وأنه علم صحته بالعقل لا يمكنه أن يعارضه بالعقل البتة، لأن العقل عنده هو الشاهد بصحة السمع، فإذا شهد مرة أخرى بفساده كانت دلالته متناقضة، فلا يصلح لا لإثبات السمع ولا لمعارضته.