قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله تعالى خلق له [ ص: 85 ] أحدثه وأضافه إلى نفسه، كما نقول: "خلق الله، وعبد الله، وفعل الله".
"قال: فضاق وأضرابه النفس عند هذا الإلزام، لقلة معرفتهم بالسنن، وتركهم قبولها، وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل". بابن كلاب
فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة: المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما سمي ذلك كلاما على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام معنى قائم بذات المتكلم، فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد، فزاد فيه "تنافي السكوت والخرس والآفات المانعة فيه من الكلام" ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله تجسيم، وإثبات اللغة فيه تشبيه، وتعلقوا بشبه، منها قول الأخطل:
إن البيان من الفؤاد، وإنما. .. جعل اللسان على الفؤاد دليلا
[ ص: 86 ] فغيروه، وقالوا: "إن الكلام من الفؤاد" وزعموا أنه لهم حجة على مقالتهم في قول الله تعالى: ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول [ سورة المجادلة: 8]، وفي قول الله عز وجل: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم [ سورة يوسف: 77] واحتجوا بقول العرب: "أرى في نفسك كلاما، وفي وجهك كلاما" فألجأهم الضيق مما دخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به، ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام.وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير رد عليه، ومن علم منه خرق إجماع الكافة ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر، بل يجانب ويقمع".