والمعنى الثالث الذي أحدثه وأمثاله، قالوا: نقول: العالم محدث، أي: معلول لعلة قديمة أزلية أوجبته، كابن سينا فلم يزل معها، وسموا هذا الحدوث الذاتي، وغيره الحدوث الزماني. الملاحدة
والتعبير بلفظ الحدوث عن هذا المعنى لا يعرف عن أحد من أهل اللغات، لا العرب ولا غيرهم، إلا من هؤلاء الذين ابتدعوا لهذا اللفظ هذا المعنى، والقول بأن العالم محدث بهذا المعنى فقط ليس قول أحد من الأنبياء ولا أتباعهم، ولا أمة من الأمم العظيمة ولا طائفة من الطوائف المشهورة التي اشتهرت مقالاتها في عموم الناس، بحيث كان أهل مدينة على هذا القول، إنما يقول هذا طوائف قليلة مغمورة في الناس.
وهذا القول إنما هو معروف عن طائفة من المتفلسفة المليين، وأمثاله، وقد يحكون هذا القول عن كابن سينا أرسطو، وقوله الذي في كتبه: أن العالم قديم، وجمهور الفلاسفة قبله يخالفونه، ويقولون: إنه محدث، ولم يثبت في كتبه للعالم فاعلا موجبا له بذاته، وإنما أثبت له علة يتحرك للتشبه بها، ثم جاء الذين [ ص: 127 ] أرادوا إصلاح قوله فجعلوا العلة أولى لغيرها، كما جعلها وغيره، ثم جعلها بعض الناس آمرة للفلك بالحركة، لكن يتحرك للتشبه بها كما يتحرك العاشق للمعشوق وإن كان لا شعور له ولا قصد، وجعلوه مدبرا بهذا الاعتبار - كما فعل الفارابي ابن رشد - جعلوه موجبا بالذات لما سواه، وجعلوا ما سواه ممكنا. وابن سينا