الوجه الخامس: أن يقال: غاية ما يدل عليه السمع - إن دل - على أن الله ليس بجسم، وهذا النفي يسلمه كثير ممن يثبت الصفات أو أكثرهم، وينفيه بعضهم ويتوقف فيه بعضهم، ويفصل القول فيه بعضهم.
ونحن نتكلم على تقدير تسليم النفي، فنقول: ليس في هذا النفي ما يدل على صحة مذهب أحد من بل ولا يدل ذلك على تنزيهه سبحانه عن شيء من النقائص، فإن من نفى شيئا من الصفات لكون إثباته تجسيما وتشبيها يقول له المثبت: قولي فيما أثبته من الصفات والأسماء كقولك فيما أثبته من ذلك، فإن تنازعا في الصفات الخبرية، أو العلو أو الرؤية أو نحو ذلك، وقال له النافي: هذا يستلزم التجسيم والتشبيه، لأنه لا يعقل ما هو كذلك [ ص: 128 ] إلا الجسم، قال له المثبت: لا يعقل ما له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة إلا ما هو جسم، فإذا جاز لك أن تثبت هذه الصفات، وتقول: الموصوف بها ليس بجسم، جاز لي مثل ما جاز لك من إثبات تلك الصفات مع أن الموصوف بها ليس بجسم، فإذن جاز أن يثبت مسمى بهذه الأسماء ليس بجسم. نفاة الصفات أو الأسماء،
فإن قال له: هذه معان وتلك أبعاض.
قال له: الرضا والغضب والحب والبغض معان، واليد والوجه وإن كان بعضا فالسمع والبصر والكلام أعراض لا تقوم إلا بجسم، فإن جاز لك إثباتها مع أنها ليست أعراضا، ومحلها ليس بجسم، جاز لي إثبات هذه مع أنها ليست أبعاضا.
فإن قال نافي الصفات: أنا لا أثبت شيئا منها.
قال له: أنت أبهمت الأسماء، فأنت تقول: هو حي عليم قدير، ولا تعقل حيا عليما قديرا إلا جسما، وتقول: إنه هو ليس بجسم، فإذا جاز لك أن تثبت مسمى بهذه الأسماء ليس بجسم، مع أن هذا ليس معقولا لك، جاز لي أن أثبت موصوفا بهذه الصفات، وإن كان هذا غير معقول لي.