وكذلك العلم بالحوادث الجزئية: زعمتم أنه نقصان، فإذا كنا نعرف الحوادث كلها، وندرك المحسوسات كلها، والأول لا يعرف شيئا من الجزئيات، ولا يدرك شيئا من المحسوسات، ولا يكون ذلك نقصانا، فالعلم بالكليات العقلية أيضا يجوز أن يثبت لغيره، ولا يثبت له، ولا يكون فيه نقصان، وهذا لا مخرج عنه. [ ص: 152 ]
فيقال: هذا الكلام متوجه على سبيل الإلزام والمعارضة، يظهر به تناقض من أثبت له علما بمعلوم دون آخر، وأمثاله، فإنه يلزمه فيما أثبته نظير ما فر منه فيما نفاه، فإن كان ذلك حقا، فيلزم أن لا يعلم شيئا ولا نفسه، وإن لم يكن حقا، فيلزم أن يعلم كل شيء. كابن سينا
ولا ريب أن هذا هو الصواب، فهو يقول لهم: إن وإن لم يكن صفة كمال، فلا يثبت شيء منه. العلم: إن كان صفة كمال وشرف، فمعلوم أن علمه بكل شيء أكمل من علمه ببعض الأشياء،
واستشهد على ذلك بأنكم نفيتم عنه السمع والبصر والعلم بالمتغيرات، فإن كان نفي ذلك نقصا، فقد وصفتموه بالنقص، وإن لم يكن نقصا، لم يكن نفي غيره نقصا.
يفرق بين علمه بالثابتات، وبين علمه بالمتغيرات، لئلا يلزم تغيره بتغير العلم. وابن سينا
وقد بين بعد هذا أنه لا محذور في علمه بالمتغيرات، بل يلزمه إثبات العلم بذلك، فإثبات العلم مطلقا هو الواجب دون نفيه، وكل ما لزم من إثبات العلم، فلا محذور فيه أصلا، بل غايته ترجع إلى مسألة نفي الصفات والأفعال والاختيارات، فليس لهم في نفي العلم إلا ما ينشأ عن هذين السلبين. أبو حامد