وقوله: إن هذه الشناعة لازمة في مقال الفلاسفة في نفي الإرادة ونفي حدث العالم، فيجب ارتكابهما كما ارتكب سائر [ ص: 150 ] الفلاسفة. ولا بد من ترك الفلسفة، والاعتراف بأن العالم حادث بالإرادة.
فيقال: إذا كان هذا لازما لمن نفى الإرادة والحدوث، فيجب إثبات الإرادة والحدوث.
فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، لا يجب إذا ترك بعض الحق أن يترك سائره، بل يجب الاعتراف به كله، وإلا فالاعتراف ببعضه خير من جحده كله.
وقد تقدم تحقيق الأمر في تلازم العلم والإرادة.
قال ثم يقال: بم تنكر على من قال من الفلاسفة: إن ذلك يعني العلم ليس بزيادة شرف، فإن العلم إنما احتاج إليه غيره ليستفيد كمالا، فإنه في ذاته قاصر، فشرف بالمعقولات إما ليطلع على مصالحه في العواقب في الدنيا والآخرة، وإما لتكمل ذاته المظلمة الناقصة، وكذلك سائر المخلوقات. وأما ذات الله فمستغنية عن التكميل، بل لو قدر له علم يكمل به، [ ص: 151 ] لكانت ذاته من حيث ذاته ناقصة. وهذا كما قلت في السمع والبصر، وفي العلم بالجزئيات الداخلة تحت الزمان، فإنك وافقت سائر الفلاسفة على أن الله منزه عنه، وأن المتغيرات الداخلة في الزمان، المنقسمة إلى ما كان ويكون لا يعرفها الأول؛ لأن ذلك يوجب تغيرا في ذاته وتأثيرا. أبو حامد:
ولم يكن في سلب ذلك عنه نقصان، بل هو كمال، وإنما النقصان من الحواس والحاجة إليها، ولولا نقصان الآدمي لما احتاج إلى حواس لتحرسه عما يتعرض للتغير به.