وإذا تبين أن لا بد له من كتمان أو كذب أو تحريف أو أمية، مع عدم علم، وهذه الأمور كلها مذمومة - دل ذلك على أن هؤلاء مذمومون في كتاب الله، كما ذم الله أشباههم من أهل الكتاب، وأن هؤلاء وأمثالهم دخلوا في قوله صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت عنه في الصحيح، الذي قال فيه: من أعرض عن الكتاب وعارضه بالمعقولات، . [ ص: 228 ] «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟»
فإن قيل: فما ذكرتموه قد يشعر بأنه ليس لأحد أن يعارض حديثا، ولا يستشكل معناه، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك.
حتى قد ثبت في الصحيح يا رسول الله أليس الله يقول: عائشة: فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا [سورة الانشقاق: 7، 8] ؟ فقال: ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: من نوقش الحساب عذب. قالت
ولما قال: أليس الله يقول: حفصة: وإن منكم إلا واردها [سورة مريم: 71] ؟ فقال: ألم تسمعي قوله: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [سورة مريم: 72]. لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة. قالت له
عام عمر الحديبية: ألم تكن تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف [ ص: 229 ] به؟ فقال: هل قلت لك: إنك تدخله هذا العام؟ قال: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به. وقال له
قيل: وإنما كان يشكل على أحدهم قوله فيسأل عما يزيل شبهته، فيتبين له أن النص لا شبهة فيه. لم يكن في الصحابة من يقول: إن عقله مقدم على نص الرسول،
فلما نفى النبي صلى الله عليه وسلم مناقشة الحساب عن الناجين، لم ينف كل ما يسمى حسابا، وهذا يتضمن المناقشة، ويراد به عرض الأعمال على العامل وتعريفه بها. والحساب يراد به الموازنة بين الحسنات والسيئات،
ولهذا لما تنازع أهل السنة في الكفار: هل يحاسبون أم لا؟ كان فصل الخطاب إثبات الحساب، بمعنى عد الأعمال وإحصائها وعرضها عليهم، لا بمعنى إثبات حسنات نافعة لهم في ثواب يوم القيامة تقابل سيئاتهم.