وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم يرد به المرور على الصراط، فإن ذاك لا يسمى دخولا، ولكن سماه الله ورودا بقوله: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» وإن منكم إلا واردها . [ ص: 230 ]
ولفظ (الورود) يحتمل العبور والدخول. وأيضا، فالورود والدخول قد يراد: ورود أعلاها.
وقد ثبت في الصحيح أنهم إذا عبروا على الصراط: منهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل.
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الورود بهذا، وهذا عام لجميع الخلق، فلما قالت أليس الله يقول: حفصة: وإن منكم إلا واردها [سورة مريم: 71] لم تكن هذه معارضة صحيحة لما أخبر به، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن زبرها - أن الله قال: ثم ننجي الذين اتقوا [سورة مريم: 72] فتلك النجاة هي المعنى الذي أراده بقوله: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة.
فإن قيل: قد عارضت ما رواه فعائشة وغيره عن النبي صلى الله [ ص: 231 ] عليه وسلم: عمر بقول الله تعالى: « إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» . ولا تزر وازرة وزر أخرى [سورة الأنعام: 164] ، وعارضت ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم من مخاطبة أهل القليب يوم بدر بقوله: إنك لا تسمع الموتى [سورة النمل: 80].
قيل: الجواب من وجهين:
أحدهما: أنا لم ننكر أنهم كانوا يعارضون نصا بنص آخر، وإنما أنكرنا والنصوص لا تتعارض في نفس الأمر، إلا في الأمر والنهي، إذا كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، وأما الأخبار فلا يجوز تعارضها. معارضة النصوص بمجرد عقلهم،
وأما إذا قدر أن الإنسان تعارض عنده خبران أو أمران: عام وخاص، وقدم الخاص على العام، فإنه يعلم أن ذلك ليس بتعارض في [ ص: 232 ] نفس الأمر، وأن المعنى الخاص لم يدخل في إرادة المتكلم باللفظ العام، فالدليل الخاص يبين ما لم يرد باللفظ العام، كما في قوله: يوصيكم الله في أولادكم [سورة النساء: 11] ، فالسنة بينت أن الكافر والعبد والقاتل لم يدخل في ذلك.
هذا عند من يجعل اللفظ عاما لهؤلاء، وأما من قال: العام في الأشخاص مطلق في الأحوال، فإنه يقول: إن الآية تعم كل ولد، ولكن لم يبين فيها الحال الذي يرث فيها الولد، والحال التي لم يرث فيها، ولكن هذا مبين في نصوص أخرى.
وهؤلاء يقولون: لفظ القرآن باق على عمومه، ولكن ما سكت عنه لفظ القرآن من الشروط والموانع بين في نصوص أخرى.
وهكذا يقولون في قوله: والسارق والسارقة [سورة المائدة: 38] وأمثال ذلك من عمومات القرآن وظواهره، لا يقولون: إن ظاهر اللفظ متروك، ولكن يقولون: ما سكت عنه اللفظ بين في نصوص أخرى. ويقولون: فرق بين ما يعمه اللفظ، وبين ما سكت عنه من أحوال: ما عمه فإن اللفظ مطلق في ذاك لا عام فيه.