فلا يطلقون القول بأنها غيره ولا بأنها ليست غيره، إذ اللفظ مجمل، فإن أراد المطلق بالغير المباين فليست غيرا، وإن أراد بالغير ما قد يعلم أحدهما دون الآخر، فهي غير، وهكذا ما كان من هذا الباب. ومذهب السلف والأئمة: أنهم لا يطلقون لفظ "الغير" على الصفات، لا نفيا ولا إثباتا،
وإذا كان هذا كلامهم في لفظ "الغير" فلفظ "التغير" مشتق منه.
ومن تأمل كلام فحول النظر في هذه المسألة علم أن الرازي قد استوعب ما ذكروه، وأن النفاة ليست معهم حجة عقلية تثبت على السبر، وإنما غايتهم إلزام التناقض لمن يخالفهم من المعتزلة والكرامية والفلاسفة.
ومن المعلوم أن تناقض المنازع يستلزم فساد أحد قوليه، لا يستلزم فساد قوله بعينه الذي هو مورد النزاع، ولهذا كان من ذم أهل الكلام المحدث من أهل العلم لأنهم يصفونهم بهذا، ويقولون: يقابلون فاسدا بفاسد، وأكثر كلامهم في إبداء مناقضات الخصوم.
وأيضا فغير ذلك الخصم لا يلتزم مقالته التي ناقض به مورد النزاع، كما في هذه المسألة، فإنه وإن كانت الكرامية قد تناقضوا فيها فلم يتناقض فيها غيرهم من الأئمة والسلف وأهل الحديث وغيرهم من طوائف أهل النظر والكلام. [ ص: 188 ]
وقد قال - شيخ أبو القاسم الأنصاري وتلميذ الشهرستاني أبي المعالي - في شرح الإرشاد: "أجود ما يتمسك به في هذه المسألة تناقض الخصوم".