وأما الحجة الثالثة - وهو أن - فهذه هي التي اعتمد عليها قيام الحوادث به تغير، والله منزه عن التغير في " نهاية الإقدام " ولم يحتج بغيرها. الشهرستاني
وقد أجاب الرازي وغيره عن ذلك بأن لفظ "التغير" مجمل، فإن الشمس والقمر والكواكب إذا تحركت أو تحركت الرياح أو تحركت الأشجار والدواب من الأناسي وغيرهم فهل يسمى هذا تغيرا، أو لا يسمى تغيرا؟ فإن سمي تغيرا كان المعنى أنه إذا تحرك المتحرك فقد تحرك، وإذا تغير بهذا التفسير فقد تغير، وإذا قامت به الحوادث - كالحركة ونحوها - فقد قامت به الحوادث، فهذا معنى قوله: "إن فسر بذلك فقد اتحد اللازم والملزوم".
فيقال: وما الدليل على امتناع هذا المعنى؟ وإن سماه المسمي تغيرا، وإن كان هذا لا يسمى تغيرا، بل المراد بالتغير غير مجرد قيام الحوادث، مثل أن يعني بالتغير الاستحالة في الصفات، كما يقال: تغير المريض، وتغيرت البلاد، وتغير الناس، ونحو ذلك، فلا دليل على أنه يلزم من [ ص: 186 ] الحركة ونحوها من الحوادث مثل هذا التغير، ولا ريب أن التغير المعروف في اللغة هو المعنى الثاني، فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب - إذا كانت جارية في السماء -: إن هذا تغير، وإنها تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا كانت عادته أن يقرأ القرآن ويصلي الخمس: إنه كلما قرأ وصلى قد تغير، وإنما يقولون ذلك لمن لم تكن عادته هذه الأفعال، فإذا تغيرت صفته وعاداته قيل: إنه قد تغير. وحينئذ فمن قال: "إنه سبحانه لم يزل متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء" لم يسم أفعاله تغيرا، ومن قال: "إنه تكلم بعد أن لم يكن متكلما، وفعل بعد أن لم يكن فاعلا" فإنه يلزم من قال: "إن الكلام والفعل يقوم به" ما يلزم من قال: "إن الكلام والفعل يقوم بغيره" والقول في أحد النوعين كالقول في الآخر.
وإذا قدر أن النزاع لفظي فلا بد من دليل سمعي أو عقلي يجوز أحدهما ويمنع الآخر.
وإلا فلا يجوز التفريق بين المتماثلين بمجرد الدعوى، أو بمجرد إطلاق لفظي من غير أن يكون ذلك اللفظ مما يدل على ذلك المعنى في كلام المعصوم ؛ فأما إذا كان اللفظ في كلام المعصوم - وهو كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل الإجماع - وعلم مراده بذلك اللفظ، فإنه يجب مراعاة مدلول ذلك اللفظ، ولا يجوز مخالفة قول المعصوم. وإطلاق التغير على الأفعال، كإطلاق لفظ "الغير" على الصفات، وإطلاق لفظ "الجسم" [ ص: 187 ] على الذات، وكل هذه الألفاظ فيها إجمال واشتباه وإبهام.