والمتفلسفة المشاؤون يدعون إثبات العلة الفاعلية والغائية، ويعللون ما في العالم من الحوادث بأسباب وحكم.
وهم عند التحقيق أعظم تناقضا من أولئك المتكلمين، لا يثبتون لا علة فاعلية ولا غائية، بل حقيقة قولهم: أن الحوادث التي تحدث لا محدث لها، لأن العلة التامة القديمة مستلزمة لمعلولها، لا يمكن أن يحدث عنها شيء.
وحقيقة قولهم: أن أفعال الرب تعالى ليس فيها حكمة، ولا عاقبة محمودة، لأنهم ينفون الإرادة، ويقولون: ليس فاعلا مختارا، ومن نفى الإرادة كان نفيه للمراد المطلوب بها الذي هو الحكمة الغائية أولى وأحرى، ولهذا كان لهم من الاضطراب والتناقض في هذا الباب أعظم مما لطوائف أهل الملل، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا التنبيه على مجامع أقوال الطوائف الكبار، وما فيها من التناقض، وأن من عارض النصوص الإلهية بما يسميه عقليات، إنما يعارضها بمثل هذا الكلام الذي هو نهاية إقدامهم وغاية مرامهم، وهو نهاية عقولهم [ ص: 331 ] في دراية أصولهم.
قال الرازي: قالت الفلاسفة: حاصل الكل اختيار أن كل ما لا بد منه في إيجاد العالم لم يكن حاصلا في الأزل؛ لأنه جعل شرط الإيجاد أولا: الوقت الذي تعلقت الإرادة بإيجاده فيه، وثانيا: الوقت الذي تعلق العلم به فيه، وثالثا: الوقت المشتمل على الحكمة الخفية، ورابعا: انقضاء الأزل، وخامسا: الوقت الذي يمكن فيه، وسادسا: ترجيح القادر، وشيء منها لم يوجد في الأزل، وقد أبطلنا هذا القسم.