ولهذا كان الناس يصفون السالمية بالحلول، فإن أبا طالب من أصحاب أبي الحسن بن سالم، صاحب سهل بن عبد الله التستري.
والناس في هذه المسألة على أربعة أقوال:
منهم من يقول بالحلول والاتحاد فقط، كقول صاحب الفصوص وأمثاله.
ومنهم من يثبت العلو ونوعا من الحلول، وهو الذي يضاف إلى السالمية، أو بعضهم.
وفي كلام أبي طالب وغيره ما قد يقال: إنه يدل على ذلك.
ومنهم من لا يثبت لا مباينة ولا حلولا ولا اتحادا، كقول المعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية وغيرهم.
والقول الرابع إثبات مباينة الخلق للمخلوق بلا حلول. وهذا قول سلف الأمة وأئمتها.
وكل من وقع بنوع من الحلول لزم افتقار الخالق إلى غيره واستغناء غيره عنه، فإن الحال في غيره إن لم يكن محتاجا إليه بوجه من الوجوه امتنع الحلول، سواء قيل: إن الحال قائم بنفسه أو بغيره.
فإن قال الحلولي: أنا أثبت حلولا لا كحلول الأجسام ولا الأعراض، وحينئذ فلا يلزم افتقاره فيه إلى غيره. [ ص: 288 ]
قيل: هذا لا حقيقة له، وهو كقول من قال: أثبت قيامه بغيره من غير احتياج إلى ذلك المحل الذي من شأنه أن يقوم ما قام فيه؛ لأن قيامه بالغير ليس كقيام الأجسام والأعراض، وأثبته في غيره لا مماسا له ولا مباينا له.
لكن هذا الجواب يصح من أهل السنة الذين ينكرون وجود موجود لا مباين للعالم ولا داخل فيه. وأما من أثبت هذا، فإنه لا يمكنه إبطال قول الحلولية، فإنهم يقولون: كما أثبت موجودا لا داخل العالم ولا خارجه فأثبته حالا في الموجودات من غير أن يكون مفتقرا إليها.
فإذا قال: هذا لا يعقل.
قيل: وذاك لا يعقل، بل تصديق العقل بوجود موجود في العالم غير مفتقر إليه، أقرب من تصديقه بوجود موجود لا داخل العالم ولا مباين له.
ولهذا كان انقياد القلوب إلى قول الحلولية أقرب من انقيادهم إلى قول نفاة الأمرين.