والمقصود هنا أنا لم نعلم من السلف من قال إنه فرق فيمن لم يبلغ بين صنف وصنف في القتل أو في عقاب الآخرة، بل الفقهاء متفقون على أن لكن قد يجمع بين هذا وهذا بأن يقال: العقوبات التي فيها إتلاف، كالقتل والقطع، لا تكون إلا لبالغ. وكذلك العقوبات الدنيوية التي فيها إتلاف. فأما التعزير بالضرب ونحوه فلم يرفع عن المميز من الصبيان. الإثم الموجب لعقاب الآخرة مرفوع عمن لم يبلغ.
بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأمر بضربهم على ترك الواجب الشرعي الذي هو الصلاة، فضربهم على الكذب والظلم أولى. وهذا مما لا يعلم بين العلماء فيه نزاع: أن الصبي يؤذى على ما يفعله من القبائح وما يتركه من الأمور التي يحتاج إليها في مصلحته. [ ص: 65 ] «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»
وهذا النزاع من لوازم الواجبات العقلية للمميزين عند من يقول بالإيجاب العقلي، نظير النزاع في الواجبات الشرعية، فإن أحد القولين في مذهب وهو اختيار أحمد، أبي بكر عبد العزيز: أن الصلاة تجب على ابن عشر. وكذلك الصوم يجب عليه إذا أطاقه.
وحينئذ فإيجاب أبي الخطاب وموافقيه للتوحيد أولى من هذا. بل يقال: لو لم يقل بالوجوب العقلي فإنه يجب أن يقال: إن وأما ما يجب في مال الصبي من النفقات وقضاء الديون وغيره، والعشور والزكوات عند الجمهور الذين يوجبون الزكاة في ماله، فذلك لا يشترط فيه التمييز باتفاق المسلمين، بل يجب ذلك في مال المجنون أيضا، وفي مال الطفل. الصبي يجب عليه الإقرار بالشهادتين قبل وجوب الصلاة عليه، فإن وجوبهما متقدم على وجوب الصلاة بالاتفاق.
وللفقهاء في إسلام الصبي وردته وإحرامه، وغير ذلك من أقواله وأفعاله، كلام معروف، ليس هذا موضع بسطه. وفي ذلك من تناقض أقوال بعضهم، ورجحان بعض الأقوال على بعض ما ليس هذا موضعه، وإنما المقصود هنا أن أعظم الناس تعظيما للعقل هم القائلون بأنه يوجب ويحظر، ويحسن ويقبح، كالمعتزلة والكرامية والشيعة القائلين بذلك، ومن وافقهم من طوائف الفقهاء والعلماء.