الوجه الثالث:
وقول القائل: إن الخيال والوهم لا يمكنهما أن يستحضرا لأنفسهما صورة ولا شكلا، ولا للقوة الباصرة وغيرها من القوى -كلام أجنبي لا يقدح في مقصودهم سواء كان حقا أو باطلا، إلا أن يثبت أن ما لا يمكن الوهم والخيال أن يثبت له صورة وشكلا لا يمكن الإشارة إليه، بل يكون لا محايثا لغيره ولا مباينا له ونحو ذلك. أن يقال: المثبتون قالوا: إنه لا يمكن وجود موجودين إلا أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو محايثا له، أو قالوا: لا يمكن وجود موجود لا يمكن الإشارة إليه، أو لا يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ونحو ذلك. فهذه قضية كلية لا تبطل -إن قبلت البطلان- إلا بثبوت نقيضها.
ومعلوم أن هذا باطل، فإن القوة الباصرة، وغيرها من القوى، قائمة بالجسم، يشار إليها كما يشار إلى كل عرض قائم بجسم، وهي محايثة لمحلها، كما تحايث الأعراض للجواهر، وتحايث سائر الأرض القائمة لمحلها، كما يحايث العرض العرض، فليست خارجة عن المباينة والمحايثة، فلم يكن في إثبات ذلك ما يناقض دعواهم الكلية، التي قالوا: إنها معلومة بالضرورة.
[ ص: 281 ]