وهو نفي الشيء عما من شأنه أن يكون قابلا له، كنفي السمع والبصر والكلام عن الحيوان، فإنه يسمى عمى وصمما وبكما، لأن الحيوان يقبل هذا وهذا، بخلاف نفي ذلك عن الجماد كالجدار، فإنه لا يسمى في اصطلاحهم عمى ولا صمما ولا بكما، لأن الجدار لا يقبل ذلك. وللمتفلسفة المشائين اصطلاح آخر في المتقابلين بالسلب والإيجاب، يسمونه تقابل العدم والملكة،
ثم إنهم تذرعوا بذلك إلى سلب النقيضين عن الخالق تعالى، فاحتج السلف والأئمة وأهل الإثبات بأن الخالق سبحانه لو لم يوصف بالسمع والبصر والكلام، ونحو ذلك من صفات الكمال، لوجب أن يوصف بما يقابل ذلك من الصمم والعمى والبكم ونحو ذلك من صفات النقص.
فقال لهم هؤلاء: العمى والبصر، والبكم [والكلام] متقابلان تقابل العدم والملكة، وهو سلب الشيء عما من شأنه أن [يكون] قابلا له كالحيوان، فأما ما لا يقبل ذلك كالجماد، فلا يوصف بعمى ولا [بصر ولا كلام] ولا بكم، ولا سمع، ولا صمم، ولا حياة ولا موت.
والجواب عن هذا من وجوه: [ ص: 274 ] أحدها: أن يقال: هذا اصطلاح لكم، وإلا فما ليس بحي يسمى ميتا،، كما قال تعالى: والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء [سورة النحل: 20-21] ، وقال تعالى: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها [سورة يس: 33] ، وقال: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها [سورة الحديد: 17] .
والثاني: أن ما لا يقبل صفات الكمال أنقص مما يقبلها ولم يتصف بها، فإن الجماد أنقص من الحيوان الأعمى والأصم والأبكم، فإذا كان اتصافه بصفات النقص، مع إمكان اتصافه بصفات الكمال، نقصا وعيبا يجب تنزيهه عنه، فعدم قبوله لصفات الكمال أعظم نقصا وعيبا.
ولهذا كان منتهى أمر هؤلاء تشبيهه بالجمادات، ثم بالمعدومات، ثم بالممتنعات.
الثالث: أن نفس عدم الحياة والعلم والقدرة نقص لكل ما عدم عنه ذلك، سواء فرض قابلا أو غير قابل، بل ما لا يقبل ذلك أنقص مما يقبله، كما أن نفس الحياة والعلم والقدرة صفات كمال. فنفس وجود هذه الصفات كمال، ونفس عدمها نقص، سواء سمي موتا وجهلا وعجزا أو لم يسم، وكذلك السمع والبصر والكلام كمال، وعدم ذلك نقص. وقد بسط الكلام على ذلك في مواضع بسطا لا يليق بهذا الموضوع.