قال في أول النمط الرابع الذي هو ابن سينا "اعلم أنه قد يغلب على أوهام الناس أن الموجود هو المحسوس، وأن ما لا يناله الحس بجوهره ففرض وجوده محال، وأن ما لا يتخصص بمكان أو بوضع بذاته كالجسم او بسبب ما هو فيه كأحوال الجسم فلا حظ له في الوجود، وأنت يتأتى لك أن تتأمل نفس المحسوس، فتعلم منه بطلان قول هؤلاء، إنك، ومن يستحق أن يخاطب تعلمان أن هذه المحسوسات قد يقع عليها [ ص: 129 ] اسم واحد لا على [سبيل] الاشتراك الصرف، بل بحسب معنى واحد، مثل اسم الإنسان، فإنكما لا تشكان في أن وقوعه على زيد وعمرو بمعنى واحد موجود، فذلك المعنى الموجود لا يخلو إما أن يكون بحيث يناله الحس، أو لا يكون، فإن كان بعيدا من أن يناله الحس، فقد أخرج التفتيش من المحسوسات ما ليس بمحسوس، وهذا أعجب. "في الوجود وعلله":
وإن كان محسوسا فله لا محالة وضع، وأين، ومقدار معين، وكيف معين، لا يتأتى أن يحس، بل ولا أن يتخيل إلا كذلك. فإن كل محسوس وكل متخيل، فإنه يتخصص لا محالة بشيء من هذه الأحوال، وإذا كان كذلك لم يكن ملائما لما ليس بتلك الحال، فلم يكن مقولا على كثيرين يختلفون في تلك الحال، فإذا الإنسان من حيث هو واحد بالحقيقة، بل هو من حيث حقيقته الأصلية التي لا تختلف فيها الكثرة غير محسوس، بل معقول صرف، وكذلك الحال في كل كلي".
قال: "ولعل قائلا منهم يقول: إن الإنسان مثلا إنما هو إنسان، من حيث له أعضاء من يد، ورجل، وعين، وحاجب، ومن حيث هو كذلك فهو محسوس. فننبهه ونقول: إن الحال في كل [ ص: 130 ] عضو مما ذكرته أو تركته كالحال في الإنسان نفسه.