قلت: فإنه لم يكن مشاركا لغيره في أمر خارجي، حتى يحتاج تعينه وتميزه عنه إلى وصف آخر ثبوتي أو سلبي، وقولهم في القاعدة الكلية: إن الأشياء التي لها حد نوعي إنما تختلف بعلل أخرى وأنه إذا لم يكن مع الواحد منها القوة القابلة لتأثير العلل، وهي المادة، لم يتعين، إلا أن يكون من حق نوعها أن توجد شخصا واحدا، فأما إذا كان يمكن في طبيعة نوعها أن تحمل على كثيرين فيعين كل واحد بعلة، فلا يكون سوادان ولا بياضان في نفس الأمر إلا إذا كان الاختلاف بينهما في الموضوع وما يجري مجراه - هو قول باطل. وذلك أن الأشياء التي لها حد واحد نوعي، لا وجود لها في الخارج مطلقة ولا عامة أصلا، وإنما وجودها كذلك في الذهن، فالسبب الفاعل للواحد منها هو الفاعل لذاته ولصفاته، وهو الفاعل لذلك الواحد المعين، وليس هنا شيئان: أحدهما لنوعها والآخر لتشخصها، بل ولا وجودان: أحدهما لنوعها [ ص: 113 ] والآخر لتشخصها، بل ولا قابلان، بل الموجود هو الأعيان المشهودة، والفاعل إنما فعل تلك الأعيان، لم يفعل أنواعا مطلقة كلية، وإن كانت تلك تتصور في العلم، فالكلام في الوجود الخارجي. والشخص المعين ليس له تعين غير هذا الشخص المعين: لا ثبوتي ولا عدمي،
وهذا مما يبين لك أن من قال من المتفلسفة: إنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء على وجه كلي لا جزئي، فحقيقة قوله: إنه لم يعلم شيئا من الموجودات، فإنه ليس في الموجودات إلا ما هو معين جزئي، والكليات إنما تكون في العلم، لا سيما وهم يقولون: إنما علم الأشياء لأنه مبدؤها وسببها، والعلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب، ومن المعلوم أنه مبدع للأمور المعينة المشخصة الجزئية، كالأفلاك المعينة والعقول المعينة، وأول الصادرات عنه - على أصلهم - العقل الأول، وهو معين، فهل يكون من التناقض وفساد العقل في الإلهيات أعظم من هذا؟