ثم أعجب من هذا كله ومن هنا دخل من وافقكم في إثبات تشبه العبد بالرب، في الذات والصفات والأفعال، كصاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها، ومن مشى خلفه من القائلين بالوحدة المطلقة [ ص: 83 ] والاتحاد، وقالوا: إن الإنسان مثل الله، وأن قوله: أنكم تقولون: الفلسفة هي التشبه بالإله على قدر الطاقة، ليس كمثله شيء [سورة الشورى: 11] المراد أنه ليس كالإنسان الذي هو مثل الله شيء، ويقولون: إن الفلك إنما يتحرك تشبها بما فوقه، فيجعلون العبد قادرا على أن يتشبه بالله، وأن الفلك يتشبه بالله، أو يتشبه بالعقل المشبه لله.
فإذا كان في التوراة: إنا سنخلق بشرا على صورتنا يشبهنا، أو نحو هذا، فغايته أن يكون الله خالقا لمن يشبهه بوجه، وأنتم قد جعلتم العبد قادرا على أن يتشبه بالله بوجه، فإن كان التشبه بالله باطلا من كل وجه، ولا يمكن الموجود أن يشبهه بوجه من الوجوه، فتشبيهكم أنكر من تشبيه أهل الكتاب، لأنكم جعلتم العبد قادرا على أن يتشبه بالرب، وأولئك أخبروا عن الرب أنه قادر على أن يخلق ما يشبهه.
فكان في قولكم إثبات التشبيه وجعله مقدورا للعبد، وأولئك مع إثبات التشبيه إنما جعلوه مقدورا للرب، فأي الفريقين أحق بالذم والملام؟ أنتم أم أهل الكتاب؟ إن كان مثل هذا التشبيه منكرا من القول وزورا، وإن لم يكن منكرا من القول وزورا، فأهل الكتاب أقوم منكم، لأنهم تبعوا ألفاظ النصوص الإلهية، التي أثبتت مقدورا لرب البرية، وأنتم ابتدعتم ما ابتدعتم بغير سلطان من الله.