وأما قول القائل هنا: "هو عالم بالذات أو عالم بعلم" فإن كان يظن أن الذات التي لا تكون إلا عالمة قادرة يمكن وجودها مجردة عن العلم والقدرة، كما يقوله النفاة، فهو كلام ضال متناقض، فإن [ ص: 34 ] إثبات عالم بلا علم، وقادر بلا قدرة، وحي بلا حياة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، مما يعلم فساده بالضرورة عقلا وسمعا.
وهذا بمنزلة: متكلم بلا كلام، ومريد بلا إرادة، ومتحرك بلا حركة، ومحب بلا محبة، ومصل بلا صلاة، وصائم بلا صيام، وحاج بلا حج، وأبيض بلا بياض، وأسود بلا سواد، وحلو بلا حلاوة، ومر بلا مرارة، وطويل بلا طول، وقصير بلا قصر، ونحو ذلك من الألفاظ المشتقة: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المعدولة عنهما.
فإن لم يكن هذا باطلا في بدائه العقول عقلا وسمعا، لم يكن لنا طريق إلى معرفة الحق من الباطل، ولهذا كان هؤلاء النفاة يعودون في آخر الأمر إلى السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات.