الوجه السادس : أن يقال : قولك : "وكل منهما غير مفتقر إليه" خطأ ظاهر . فإنه ليس من ضرورة كون المركب متوقفا على كل من أجزائه،أن لا يكون شيء من تلك الأجزاء متوقفا عليه . وذلك أن المركب: إن أريد به نفس الأجزاء المجتمعة، كان المعنى: أن المجتمع متوقف على المجتمع ، أو أن كل جزء متوقف على سائر الأجزاء ، أو على جزء آخر،أو على نفسه ، وأي شيء فرض من ذلك لم يلزم أن يكون أحد الجزأين هو المفتقر دون الآخر، وإن قدر أن المركب هو الاجتماع ، أو الاجتماع مع الأجزاء ، فإنه إذا قدر أنها متلازمة، لم يكن [ ص: 229 ] أحد الأجزاء واجبا بنفسه بمعنى إمكان وجوده دون سائر الأجزاء لا الاجتماع ولا غيره ، بل لا يوجد شيء منها إلا بالآخر، فلا يكون شيء من الأجزاء غير مفتقر إلى المركب ، بل كل منها مفتقر إليه .
وهذا لا يقاس بالواحد مع العشرة، الذي يمكن وجوده دون وجود العشرة ، فإن أجزاء العشرة ليست متلازمة، وإنما . الكلام في أمور متلازمة لا يمكن وجود بعضها دون بعض، كالصفات اللازمة للرب تعالى
وما سماه النفاة أجزاء فإنه لا يمكن وجود صفة من تلك الصفات دون الذات ، بل ولا دون الصفة الأخرى، وكذلك ما سموه جزءا لا يمكن وجوده دون الجميع ولا دون جزء آخر ، فامتنع أن يقال:إن كل جزء من الأجزاء غير مفتقر إلى المجموع المركب، مع أن المجموع المركب مفتقر إليه ، بل إذا سمي هذا التلازم افتقارا فافتقار الصفة وما سموه جزءا إلى المجموع أعظم من افتقار الذات الواجبة بنفسها أو ما سموه المجموع المركب الواجب بنفسه إلى الصفة أو الجزء، فإن المجموع هو الواجب بنفسه الذي لا يقبل العدم أصلا، وكل جزء من أجزائه فلا يتصور وجوده بدون وجود الآخر ، وهذا كما يقولون : إن الحيوانية والناطقية جزء من الإنسانية، ومع هذا يمتنع وجود الجزء دون هذه الماهية المركبة، وكذلك يقولون : إن الجسم مركب من المادة والصورة، [ ص: 230 ] ويمتنع وجود أحدهما بدون الجسم ، بل والجوهر الفرد عند عامة القائلين به يمتنع وجوده بدون وجود الجسم .