وحرف المسألة أن كلامه مبني على تماثل الجواهر، ومن يقول ذلك لا يقول: ، فالكلام في هذا الباب فرع [ ص: 171 ] على تلك المسألة ، ولو كان هذا صحيحا لكان العلم بحدوث الأجسام وإمكانها من أسهل الأمور ، فإن بعضها محدث بالمشاهدة ، والمحدث ممكن ، فإذا كانت متماثلة ، جاز على كل واحد منها ما جاز على الآخر، فيلزم إما حدوثها ، وإما إمكان حدوثها، وعلى التقديرين يحصل المقصود . إنه جوهر ولا جسم
والنافي لتماثلها لا يقول السؤال الذي أورده: إنها متماثلة في الجوهرية، لكنها متمايزة ومتغايرة بأمور موجبة للتعين -هو الموجب للاختصاص- بل يقول: أنها مختلفة بحقائقها وأنفسها، لكنها تشابهت في كونها قائمة بأنفسها، أو كونها متحيزة قابلة للصفات ، وهذا معنى اتفاقها في الجوهرية ، كما ذكره هو في الاعتراض على دليل القائلين بتماثلها .
ويقول أيضا: إن الأمور المتماثلة من كل وجه لا يجوز تخصيص أحدها بما يتميز به عن الآخر إلا لمخصص ، وإلا لزم ترجيح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح ، ومشيئة الله تعالى ترجح أحد الأمرين لحكمة تقتضي ذلك ، وتلك الحكمة مقصودة لنفسها ، وإلا فنسبة الإرادة إلى المتماثلين سواء ، وتلك الحكمة المرادة تنتهي إلى حكمة تراد لنفسها ، كما بسط في موضعه . [ ص: 172 ]
وأيضا فإن قول القائل : إن هذه الجواهر المشهودة متماثلة في الحقيقة ، ولكن الفاعل المختار خص كلا منها بصفات تخالف بها الآخر ، يقتضي أن لها حقيقة مجردة عن جميع الصفات التي اختلفت فيها ، فيكون الماء المشهود له حقيقة غير هذا الماء المشهود ، والنار المشهودة لها حقيقة غير هذه النار المشهودة ، ويكون ما خالف به هذا لهذا في الماء والنار أمرا عارضا لتلك الحقيقة، لا صفة ذاتية لها ولا لازمة .
وهذا مكابرة للحس ، [وأيضا] فعلى هذا القول لا يكن لشيء من الموجودات صفة ذاتية ولا صفة لازمة لذاته أصلا ، بل كل صفة يوصف بها عارضة له يمكن زوالها مع بقاء حقيقته ، لأن كل ما اختلفت به الأعيان أمر عارض، لها ليس بداخل في حقيقتها عند من يقول بتماثل الجواهر والأجسام . وحينئذ فيكون الإنسان -الذي هو حيوان ناطق- يمكن زوال كونه حيوانا وكونه ناطقا ، مع بقاء حقيقته وذاته. وكذلك الفرس: يمكن زوال حيوانيته وصاهليته ، مع بقاء حقيقته وذاته ، وهكذا كل الأعيان .