وكل شيء له حقيقة تخصه، وقدر، وصفات تقوم به. فهنا ثلاثة أشياء: المقدار، والحقيقة، وصفات الحقيقة.
فقول القائل: كل ذي قدر يمكن أن يكون بخلاف ذلك القدر، كقوله: كل موصوف يمكن وجوده على خلاف تلك الصفات، وهو أقرب من قوله: كل ما له حقيقة فيمكن وجوده على خلاف تلك الحقيقة.
ولكن في هذا المقام يكفي أن يجعل حكم المقدار حكم سائر [ ص: 358 ] الصفات، فلا ريب أن كيفية الموصوف وصفاته ألزم له من قدره، فكيفيته أحق به من كميته، فاختصاصه بقدر دون اختصاصه بصفة. فالنار والماء والهواء يلزمها كيفياتها المخصوصة أعظم مما يلزمها المقدار المعين.
فيقال: إن أمكن أن يقرر أن كل جسم يقبل من الصفات خلاف ما هو عليه، وما كان كذلك فهو ممكن أو محدث، كان هذا دليلا عاما لا يختص بالمقدر، وإن لم يمكن ذلك فلا فرق بين القدر وغيره.
وأحد الرازي وغيره في إثبات الصانع تعالى: الاستدلال بإمكان صفات الجسم أو حدوثها، لم يفرق السالكون فيه بين القدر وغيره. الطرق التي ذكرها
ثم لقائل أن يقول: قول القائل: كل ذي قدر يمكن أن يكون أكبر أو أصغر، أو كل ذي وصف يمكن أن يكون بخلاف ذلك الوصف ونحو ذلك، أتريد به الإمكان الذهني أو الخارجي؟ والفرق بينهما أن إمكان الذهني معناه عدم العلم بالامتناع، فليس في ذهنه ما يمنع ذلك. والإمكان الخارجي معناه العلم بالإمكان في الخارج.