وذلك يظهر بالوجه الثاني: وهو أنه قال: وهذا قد استدل به طائفة من أهل الكلام على امتناع حوادث لا تتناهى. "لو كانت العلل والمعلولات متعاقبة فكل واحد منها حادث لا محالة" فيلزم أن تكون الأولى حادثة، أو تكون كلها حادثة مسبوقة بالعدم،
وقد تقدم الاعتراض عليه، وبين الفرق بين ما هو حادث بالنوع وحادث بالشخص، وأن ما كان لم تزل آحاده متعاقبة، كان كل منها بمنزلة الآخر، وكل منها مسبوق بالعدم، وليس النوع مسبوقا بالعدم.
وقول القائل: لفظ مجمل. "الأزلي لا يكون مسبوقا بالعدم".
فإن أراد به أن الواحد الذي هو بعينه أزلي لا يكون مسبوقا [ ص: 194 ] بالعدم، فهذا صحيح، وليس الكلام فيه. وإن أراد أن النوع الأزلي الذي لم يزل ولا يزال، ولا يكون مسبوقا بالعدم، فهذا محل النزاع.
فقد صادر على المطلوب بتغيير العبارة وكأنه قال: لا يمكن دوام الحوادث، كما لو قال: الأبدي لا يكون منقطعا، وكل من أفراد المستقبلات منقطع، فلا تكون المستقبلات أبدية.
فيقال: النوع هو الأبدي، ليس كل واحد أبديا، كذلك يقال في الماضي، وهذا الكلام قد بسط في غير هذا الموضع.