والرازي لما كان مثبتا لهذا الإمكان، موافقة كان في كلامه من الاضطراب ما هو معروف في كتبه الكبار والصغار، مع أن هؤلاء كلهم يثبتون في كتبهم المنطقية ما يوافقون فيه سلفهم لابن سينا، أرسطو وغيره: أن كائنا بعد أن لم يكن، وقد ذكر الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثا هذا وقال: "ما ذكره أبو الوليد بن رشد الحفيد ونحوه، من أن الشيء يكون ممكنا يقبل الوجود والعدم، مع كونه قديما أزليا، قول لم يقله أحد من الفلاسفة قبل ابن سينا ابن سينا
قلت: قد ذكر أيضا في غير موضع أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم، لا يكون إلا حادثا، مسبوقا بالعدم، كما قاله سلفه وسائر العقلاء، وقد ذكرت ألفاظه من كتاب الشفاء وغيره في غير هذا [ ص: 141 ] الموضع، وهو مما يتبين به اتفاق العقلاء على أن كل ممكن يقبل الوجود والعدم فلا يكون إلا حادثا كائنا بعد أن لم يكن، وهذا مما يبين أن كل ما سوى الواجب بنفسه فهو محدث، كائن بعد أن لم يكن، وهذا لا يناقض دوام فاعليته. وابن سينا
والمقصود هنا أن نفس الحدوث والإمكان دليل على الافتقار إلى الموثر، وأما كون أحدهما جعل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق فهذا خطأ، بل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق بذاتها، واحتياجها إلى المؤثر أمر ذاتي لها، لا يحتاج إلى علة، فإنه ليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل، وهو باطل باتفاق العلماء، بل من الأحكام ما هو لازم للذوات، لا يمكن أن يكون مفارقا للذوات، ولا يفتقر إلى علة، وكون كل ما سوى الله فقيرا إليه محتاجا إليه دائما هو من هذا الباب.
كما أن فالفقر والاحتياج أمر لازم ذاتي لكل ما سوى الله، فيمتنع أن يكون سبحانه فقيرا، ويمتنع أن يكون إلا غنيا عن كل ما سواه، ويمتنع فيما سواه أن يكون غنيا عنه [ ص: 142 ] بوجه من الوجوه، ويجب في كل ما سواه أن يكون فقيرا محتاجا إليه دائما في كل وقت. الغنى والصمدية أمر لازم لذات الله،