أولى وأحرى، فإن العلم صفة له، وإذا كانت تلك الصفة قديمة واجبة لا تفتقر إلى فاعل يفعلها في العالم بنفسه، فلا يكون الموصوف بها قديما واجبا بطريق الأولى والأحرى. [ ص: 117 ] وما كان عالما بنفسه فأن يكون موجودا بنفسه
ومثل أن يقال: الموجود إما حي بنفسه وإما حي بغيره، وإما ليس بحي. ومعلوم أن الحي بغيره موجود، فإن الإنسان يكون في بطن أمه قبل نفخ الروح فيه ليس بحي، ثم يصير حيا بعد ذلك. فثبت وجود الحي بغيره الذي جعله حيا. وذلك الذي جعله حيا إما أن يكون حيا بنفسه، وإما بغيره. والحي بغيره يحتاج إلى حي، فلا بد أن ينتهي الأمر إلى حي بنفسه قطعا للتسلسل الممتنع، فثبت أن في الوجود ما هو حي بنفسه، والحي بنفسه لا يكون إلا واجبا قديما بنفسه، فإن ذاته إذا كانت مستلزمة لحياته، بحيث لا تكون حياته حاصلة له من غيره، فأن تكون ذاته واجبة بنفسها، لا تكون حاصلة بغيرها أولى وأحرى فإن الحياة قائمة في الموصوف الحي بها، فإذا كانت الحياة قديمة أزلية واجبة بنفسها يمتنع عدمها، فالحي الموصوف بها أن يكون حيا قديما أزليا واجبا بنفسه أولى وأحرى.
والتسلسل الذي يسمى التسلسل في العلل والمعلولات، والمؤثر والأثر، والفاعل والمفعول، والخالق والمخلوق، هو ممتنع باتفاق العقلاء. وبصريح المعقول، بل هو ممتنع في بديهة العقل بعد التصور، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه في قوله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته» حتى قد يتمنى الموت، أو حتى يختار أن يحترق ولا يجدها، وهي الوسوسة التي سأله عنه الصحابة فقالوا: فأمره بالاستعاذة منه ليقطع عنه الله الوساوس الفاسدة [ ص: 118 ] التي يلقيها الشيطان بغير اختياره ويؤذيه بها، وفي رواية: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حمة أو يخر من السماء إلى الأرض خيرا له من أن يتكلم به. فقال: ذلك صريح الإيمان، وأراد بذلك أن كراهته هذه الوسوسة ونفيها هو محض الإيمان وصريحه. ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. فقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.