وعلى كل تقدير فالاستدلال على حدوث الأجسام بهذه الحجة في غاية الضعف، كما اعترفوا هم به، فإن ما ذكروه يوجب أن لا يكون في الوجود شيء قديم، سواء قدر أنه جسم أو غير جسم، فإنه يقال: لو كان الرب - رب العالمين - قديما لكان قدمه إما أن يكون عين كونه ربا، وإما زائدا على ذلك، والأمران باطلان، فبطل كونه قديما.
أما الأول: فلأنه لو كان كذلك لكان العلم بكونه ربا أو واجب الوجود أو نحو ذلك علما بكونه قديما، وهذا باطل.
وأما الثاني: فلأن فما كان جوابا عن مواضع الإجماع كان جوابا في مورد النزاع، وإن كان العلم بكونه رب العالمين يستلزم العلم بقدمه، لكن ليس العلم بنفس الربوبية هو العلم بنفس القدم، بل قد يقوم العلم الأول بالنفس مع ذهولها عن الثاني، وقد يشك الشاك في قدمه، مع العلم بأنه ربه، ويخطر له أن للرب ربا حتى يتبين له فساد ذلك. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح في قوله: ذلك الزائد إن كان قديما يلزم أن يكون قدمه زائدا عليه، ولزم التسلسل، وإن كان حادثا كان للقديم أول، وقد بسطت هذا في موضع آخر كما سيأتي إن شاء الله. [ ص: 23 ] «إن الشيطان يأتي أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته»
والمقصود هنا: أن هذه البراهين الخمسة التي احتج بها على حدوث الأجسام قد بين أصحابه المعظمون له ضعفها، بل هو نفسه أيضا بين ضعفها في كتب أخرى، مثل "المطالب العالية" وهي آخر ما صنفه وجمع فيها غاية علومه، و "المباحث المشرقية" وجعل منتهى نظره وبحثه تضعيفها.