[ ص: 390 ] فإذا قال من قال من معتزلة البصرة: "إن إفناء الأجسام بإحداث فناء لا في محل، كما إن إحداثها بحدوث إرادة لا في محل" والتزموا حدوث عرض لا محل له، وحدوث الحوادث بلا سبب حادث، وأن من الحوادث ما يحدث بدون إرادة، وقالوا: لا يزول الضد إلا بحدوث ضده.
قال لهم هؤلاء: فكذلك إذا قدرنا جسما قديما تحرك بعد أن كان ساكنا، كان زوال ذلك السكون بحدوث ضده من الحركة وحدوث ذلك بما به يحدث المنفصل، ومن قال: "العرض يعدم بإحداث إعدام" كما هو أحد القولين لمتكلمة أهل الإثبات من الأشعرية والكرامية وغيرهم، قالوا: ذلك السكون يعدم بإحداث إعدام والقول في سبب حدوث الإعدام كالقول في حدوث سبب الإحداث.
وإن قالوا: "إن السكون ينقضي شيئا فشيئا كما تنقضي الحركة شيئا فشيئا" كما قالوا مثل ذلك في سائر الأعراض - كما هو أحد قولي أهل الإثبات من الأشعرية وغيرهم - قالوا لهم: فالسكون إذن كالحركة، فكما أن الحركة متعاقبة الأجزاء فكذلك السكون.
ولا ريب أن هذه الأمور تلزم المستدلين بدليل الحركة والسكون لزوما لا محيد عنه، وإنما التبس مثل هذا لأن الواحد من هؤلاء يبنى على المقدمة الصحيحة في موضع، ويلتزم ما يناقضها في موضع آخر، فيظهر [ ص: 391 ] من تناقض أقوالهم ما يبين فسادها، لكن قد يكون ما أثبتوه في أحد الموضعين صحيحا متفقا عليه، فلا ينازعهم الناس فيه ولا في مقدماته، وقد تكون المقدمات فيها ضعف، لكن لكون النتيجة صحيحة يتساهل الناس في تسليم مقدماتها. وإنما يقع تحرير المقدمات والنزاع فيها إذا كانت النتيجة مورد نزاع.