والناس لهم في إمكان وجود ما لا يتناهى أقوال:
أحدها: امتناع ذلك مطلقا، في الماضي والمستقبل والحاضر، في كل شيء، وهذا قول الجهم وأبي الهذيل.
والثاني: جواز ذلك، حتى في الأبعاد التي لا تتناهى، وهو قول طائفة من فلاسفة الهند وطائفة من نظار أهل الملة وغيرهم، يقولون: إن الرب له قدر لا يتناهى. ثم من هؤلاء من يقول: لا يتناهى من [ ص: 360 ] جميع الجهات، ومنهم من يقول: يتناهى من جهة العرش فقط، وأما من سائر الجهات فإنه لا يتناهى.
وقد ذكر في المقالات هذه الأقوال وغيرها عن طوائف، وممن ذكر ذلك: الأشعري الكرامية، وطائفة من أتباع الأئمة، كالقاضي أبي يعلى وغيره، وهؤلاء منهم من يقول بتناهي الحوادث في الماضي، مع قوله بوجود ما لا يتناهى من المقدار في الحاضر.
وكذلك وأتباعه من أصحاب المعاني، يقولون بوجود معان لا تتناهى في آن واحد، مع قولهم بامتناع حوادث لا أول لها، فصار بعض الناس يقول بجواز التناهي في الحوادث الماضية والأبعاد، ومنهم من يقول بجواز ذلك في الأبعاد دون الحوادث، فهذه ثلاثة أقوال. معمر
الرابع: قول من يقول: لا يجوز ذلك فيما دخل في الوجود، لا في الماضي ولا في الحاضر، ويجوز فيما لم يوجد بعد، وهو المستقبلات، وهذا قول كثير من النظار.
الخامس: قول من يقول: يجوز ذلك في الماضي والمستقبل، ولا يجوز فيما يوجد في آن واحد، لا في الأبعاد ولا الأنفس ولا المعاني، وهو قول وحكاه عن الفلاسفة. وزعم أن النفوس البشرية واحدة بعد المفارقة، كما زعم أنها كانت كذلك قبل المفارقة. [ ص: 361 ] ابن رشد،
السادس: قول من يقول: ما كان مجتمعا مترتبا فإنه يجب تناهيه كالعلل والأجسام، فتلك لها ترتيب طبيعي، وهذه لها ترتيب وضعي، وكلها موجودة في آن واحد. وأما ما لم يكن له ترتيب - كالأنفس - أو كان له ترتيب ولكن يوجد متعاقبا - كالحركات - فلا يمتنع فيه وجود ما لا يتناهى، وهذا قول وهو المحكي عندهم عن ابن سينا، أرسطو وأتباعه، لكن ذكر أن هذا القول لم يقله أحد من الفلاسفة إلا ابن رشد ابن سينا.