وقوله: "بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد" نفى به إحاطة علم الخلق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه، إلا بما أخبر عن نفسه، ليبين أن كما قال عقول الخلق لا تحيط بصفاته، في خطبة الرسالة: "الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه" ولهذا قال الشافعي "لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية" فنفى أن يدرك له حد أو غاية، وهذا أصح [ ص: 34 ] القولين في تفسير الإدراك، وقد بسط الكلام على شرح هذا الكلام في غير هذا الموضع. أحمد:
وما في الكلام من نفي تحديد الخلق وتقديرهم لربهم وبلوغهم صفته لا ينافي ما نص عليه وغيره من الأئمة، كما ذكره الخلال أيضا، قال: "حدثنا أحمد قال: سمعت أبو بكر المروزي، - لما قيل له: روى أبا عبد الله علي بن الحسن بن شقيق عن أنه قيل له: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال: على العرش بحد - قال: قد بلغني ذلك عنه، وأعجبه، ثم قال ابن المبارك، أبو عبد الله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [ سورة البقرة: 210] ثم قال: وجاء ربك والملك صفا صفا [ سورة الفجر: 22].
قال الخلال: وأنبأنا محمد بن علي الوراق، حدثنا حدثني أبو بكر الأثرم، محمد بن إبراهيم القيسي، قال: قلت يحكى عن ابن المبارك - وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ - قال: في السماء السابعة على عرشه بحد، فقال لأحمد بن حنبل: هكذا هو عندنا. أحمد:
وأخبرني قال: قلت حرب بن إسماعيل -: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد. لإسحاق - يعني ابن راهويه
وذكر عن قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد. ابن المبارك
قال: وأخبرنا المروزي قال: قال قال الله تبارك وتعالى: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: الرحمن على العرش استوى [ سورة طه: 5] [ ص: 35 ] ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار ورؤوس الآكام وبطون الأودية، وفي كل موضع، كما يعلم علم ما في السماوات السبع وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علما، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات البر والبحر ولا رطب ولا يابس إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره". إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى،
فهذا مثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف، والأئمة ينفون علم الخلق بقدره وكيفيته.