وأما - فإنهم ألزموا بها القائلين بالحدوث بدون سبب حادث، وهي لهم ألزم، فإن الحوادث المتجددة تقتضي تجدد أسباب حادثة، فالحدوث أمر ضروري على كل تقدير، والذات القديمة المستلزمة لموجبها: إن لم يتوقف حدوث الحوادث عنها على غيرها لزم مقارنة الحوادث لها في الأزل، وهذا باطل بالضرورة والحس، وإن توقف على غيرها فذلك الغير إن كان قديما أزليا كان معها، فيلزم مقارنة الحوادث لها، وإن كان حادثا، فالقول في سبب حدوثه كالقول في غيره من الحوادث. المقدمة الثانية - وهي الترجيح بلا مرجح
فهؤلاء الفلاسفة أنكروا على المتكلمين - نفاة الأفعال القائمة به - أنهم أثبتوا حدوث الحوادث بدون سبب حادث، مع كون الفاعل موصوفا بصفات الكمال، وهم أثبتوا حدوث الحوادث كلها بدون سبب حادث، ولا ذات موصوفة بصفات الكمال، بل حقيقة قولهم أن الحوادث تحدث بدون محدث فاعل، إذ كانوا مصرحين بأن العلة التامة الأزلية يجب أن يقارنها معلولها، فلا يبقى للحوادث فاعل أصلا، لا هي ولا غيرها.
فعلم أن قولهم أعظم تناقضا من قول المعتزلة ونحوهم، وأن ما ذكروه من الحجة في قدم العالم، هو على حدوثه أدل منه على قدمه، باعتبار كل واحدة من مقدمتي حجتهم. [ ص: 372 ]
ومن تدبر هذا وفهمه تبين له أن الذين كذبوا بآيات الله صم وبكم في الظلمات، وأن هؤلاء وأمثالهم من أهل النار، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [الملك: 10] ، وهذا مبسوط في موضع آخر.